للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ عَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ قَدْ لَزِمَتْهُ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَلَا الزَّبِيبُ بِالْعِنَبِ لَا مُتَفَاضِلًا، وَلَا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا رَطْبٍ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، وَهُوَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَلَا يُبَاعُ جُزَافٌ بِمَكِيلٍ مِنْ صِنْفِهِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ وَالطَّيْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ آخَرُ، وَقَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مَنْعَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ اللَّحْمُ، وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: وَلَوْ كَانَ الطَّبْخُ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ وَاشْتِرَاطُ الْأَبْزَارِ فِي انْتِقَالِ اللَّحْمِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي انْتِقَالِهِ عَنْ اللَّحْمِ لَا عَنْ الْحَيَوَانِ. وَإِذَا بِيعَ الْمَطْبُوخُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ فَشَرْطُ جَوَازِهِ التَّعْجِيلُ، وَأَمَّا إلَى أَجَلٍ فَيَحْرُمُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ كَجَمَلٍ أَوْ ثَوْرٍ، وَمِثْلُ اللَّحْمِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِالْحَيَوَانِ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ أَوْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ أَوْ قُلْت: لَا يَجُوزُ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا لَحْمًا.

وَأَمَّا حَيَوَانٌ يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ مَثَلًا فَيَجُوزُ وَلَوْ لِأَجَلٍ كَجَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانِ الْقُنْيَةِ بِلَحْمٍ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ لِأَجَلٍ، بِخِلَافِ حَيَوَانٍ غَيْرِ الْقُنْيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ التَّعْجِيلُ. وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ فَيَجُوزُ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ حَيْثُ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ: بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ. وَصُورَتَانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ. وَصُورَتَانِ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ السِّتِّ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَيَكْفِي الْمُنَاجَزَةُ، كَمَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْمُنَاجَزَةِ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تُرَادُ لِلْقُنْيَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَلَوْ لَحْمًا نِيئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ فَتَقَدَّمَ إنْ كَانَا يُرَادَانِ لِلْقُنْيَةِ فَالْجَوَازُ وَلَوْ لِأَجَلٍ.

وَأَمَّا مَا لَا يُرَادُ لِلْقُنْيَةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ نَقْدًا لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا لَحْمًا، وَأَمَّا بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيَجُوزُ نَقْدًا لَا إلَى أَجَلٍ، وَالْحَيَوَانَاتُ الَّتِي لَا تُرَادُ لِلْقُنْيَةِ كَمَا لَا تُبَاعُ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهَا وَلَوْ نَقْدًا وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لِأَجَلٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا كِرَاءً لِأَرْضٍ وَلَا قَضَاءً عَنْ دَارِهِمْ أُكْرِيَتْ الْأَرْضُ بِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» . وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَيْثُ لَمْ يُطْبَخْ لِلْمُزَابَنَةِ؛ لِأَنَّ دَافِعَ الْمَذْبُوحِ قَدْ يُذْبَحُ الْحَيُّ فَيَصِيرُ لَحْمًا مَغِيبًا بِلَحْمٍ مَغِيبٍ، وَقَدْ يَزِيدُ لَحْمُهُ عَلَى اللَّحْمِ الْمَدْفُوعِ فِيهِ وَقَدْ يَنْقُصُ، وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحْقِيقِ التَّفَاضُلِ، وَأَمَّا لَوْ طُبِخَ لَجَازَ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ لِانْتِقَالِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ) أَيْ جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَيْ فِي عَقْدٍ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ «نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى صُورَتَيْنِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ إحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ) شَخْصٌ (سِلْعَةً إمَّا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ) وَالْحَالُ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ (قَدْ لَزِمَتْهُ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ) ، وَإِنَّمَا مُنِعَ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي بِمَ بَاعَ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي مَا اشْتَرَى، وَلِذَلِكَ لَوْ عُكِسَ التَّصْوِيرُ كَأَنْ يَبِيعَهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةٍ لِأَجَلٍ لَجَازَ لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ إنَّمَا يَخْتَارُ الْبَيْعَ إلَى أَجَلٍ بِالثَّمَنِ الْقَلِيلِ، وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ، وَمَفْهُومُ قَدْ لَزِمَتْهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ لَجَازَ سَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهَا.

وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ إحْدَى سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِغَيْرِ الْجَوْدَةِ كَثَوْبٍ وَدَابَّةٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ كِسَاءٍ وَالْحَال أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إحْدَاهُمَا عَلَى اللُّزُومِ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ إنْ اخْتَلَفَ أَوْ بِالثَّمَنِ إنْ اتَّحَدَ، وَأَمَّا عَلَى الْخِيَارِ فِيمَا يُعَيِّنُهُ فَجَائِزٌ، كَمَا يَجُوزُ اخْتِلَافُهُمَا بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى أَخْذِ الْأَجْوَدِ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ أَحَدَ طَعَامَيْنِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا. وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: وَكَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ يَبِيعُهَا بِالْإِلْزَامِ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَجَلٍ، أَوْ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَّا بِجَوْدَةٍ وَرَدَاءَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا لَا طَعَامَ، وَإِنْ مَعَ غَيْرِهِ.

(وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ) بِالْمُثَنَّاةِ (بِالرُّطَبِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ (وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا بَيْعُ (الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ) لَا نَقْدًا وَلَا مُؤَجَّلًا (لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ) كَائِنٍ (مِنْ جِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ (الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ) وَالْحُبُوبِ فَلَا يُبَاعُ الْفُولُ الْحَارُّ بِالْيَابِسِ وَلَا الْقَمْحُ بِالْبَلِيلَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ مَعَ عَدَمِ انْتِقَالِ أَحَدِهِمَا، وَلِذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَمَّسِ بِالْيَابِسِ وَالْقَمْحِ بِالْهَرِيسَةِ يَدًا بِيَدٍ لِانْتِقَالِ الْمُدَمَّسِ وَالْمَطْبُوخِ عَنْ أَصْلِهِ، كَمَا يَجُوزُ الْيَابِسُ بِالرَّطْبِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الرِّبَوِيِّ.

ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِي التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَمَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، وَمَا بَعْدَهُ (مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ) أَيْ لِأَجْلِ (الْمُزَابَنَةِ) أَوْ الَّذِي هُوَ الْمُزَابَنَةُ فَتَكُونُ بَيَانِيَّةً كَهِيَ فِي آيَةِ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠] أَيْ الَّذِي هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>