الْجَمَاعَةِ وَلَا يَعْتِقُونَ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ.
وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقٌ وَلَا إتْلَافُ مَالِهِ حَتَّى يَعْتِقَ وَلَا يَتَزَوَّجُ.
وَلَا يُسَافِرُ السَّفَرَ الْبَعِيدَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ.
وَإِذَا مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ وَأَدَّى مِنْ مَالِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ حَالًا وَوَرِثَ مَنْ مَعَهُ مِنْ وَلَدِهِ مَا بَقِيَ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمُكَاتَبُ: إنَّمَا انْفَصَلَ مِنِّي بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ وَضَعَتْهُ أُمُّهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ كَانَ انْفَصَلَ مِنْ ظَهْرِ أَبِيهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، وَلِسِتَّةٍ فَأَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لِلْمُكَاتَبِ، وَإِنْ أَشْكَلَ لِأَمْرٍ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي ابْنِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ، وَأَمَّا وَلَدُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُرَّةٍ فَهُوَ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَكُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَحْدَهَا وَمَا هُنَا فِي كِتَابَتِهِمَا مَعًا.
(وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْجَمَاعَةِ) مِنْ الْعَبِيدِ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمَالِكَ الْوَاحِدَ يَجُوزُ لَهُ مُكَاتَبَةُ جَمَاعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ بِمَالٍ وَاحِدٍ وَعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَيَجِبُ أَنْ تُوَزَّعَ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِمْ عَلَى الْأَدَاءِ يَوْمَ الْكِتَابَةِ، فَلَا تُوَزَّعُ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ وَلَا عَلَى حَسَبِ قِيَمِ الْعَبِيدِ. (وَلَا يَعْتِقُونَ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ) لِأَنَّهُمْ حُمِلَا فِي الْقَدْرِ الْمَجْعُولِ عَلَيْهِمْ.
وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، بِخِلَافِ حَمَالَةِ الدُّيُونِ تَتَوَقَّفُ عَلَى شَرْطٍ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى الْجَائِزِ: وَمُكَاتَبَةُ جَمَاعَةٍ لِمَالِكٍ فَتُوَزَّعُ عَلَى قُوَّتِهِمْ عَلَى الْأَدَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَهُمْ وَإِنْ زَمِنَ أَحَدُهُمْ حَمْلًا مُطْلَقًا فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَلِيءِ الْجَمِيعُ، وَيَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الدَّافِعُ زَوْجًا وَلَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الدَّافِعِ، وَالْمُرَادُ بِالزَّمِنِ الَّذِي حَدَثَتْ زَمَانَتُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ زَمِنًا يَوْمَ الْعَقْدِ لَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ زَالَتْ زَمَانَتُهُ بِحَيْثُ صَارَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ شَيْءٌ بِمَوْتٍ وَاحِدٍ وَلَا بِفَقْدِهِ وَلَا بِأَسْرِهِ، بِخِلَافِ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمْ بِرِقٍّ أَوْ حُرِّيَّةٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نَصِيبُهُ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ كِتَابَتِهِ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَعْتِقُونَ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ وَلَوْ رَضِيَ السَّيِّدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتِقَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ الْأَدَاءِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْضَى الْبَاقُونَ بِذَلِكَ، وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الْأَدَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَضُوا، بِخِلَافِ عِتْقِ الضَّعِيفِ عَنْ الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ قُوَّةِ الْبَاقِينَ وَلَوْ لَمْ يَرْضَوْا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلسَّيِّدِ عِتْقُ قَوِيٍّ مِنْهُمْ إنْ رَضِيَ الْجَمِيعُ وَقَوُوا، فَإِنْ رَدَّ ثُمَّ عَجَزُوا صَحَّ عِتْقُهُ، وَحَيْثُ جَازَ عِتْقُ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ يُقَسِّطُ عَنْهُمْ قَدْرَ حِصَّتِهِ.
(تَنْبِيهٌ آخَرُ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَالِكِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الْمُشْتَرِكَةُ فِي عَبِيدٍ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَمُكَاتَبَةُ شَرِيكَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ لَا أَحَدِهِمَا أَوْ مَالَيْنِ أَوْ مُتَّحِدٍ بِعَقْدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَتُفْسَخُ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ إذَا كَاتَبُوهُمْ عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ مُتَّحِدٍ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْأَجَلِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الِاقْتِضَاءَ وَاحِدٌ وَالْعَقْدَ وَاحِدٌ.
(تَنْبِيهٌ آخَرُ) لَوْ تَعَدَّدَتْ السَّادَاتُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ وَأَرَادُوا أَنْ يُكَاتِبُوهُمْ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ فَلَا تَجُوزُ تِلْكَ الْكِتَابَةُ إنْ شَرَطُوا حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ لِأَدَائِهِ إلَى أَكْلِ الشَّخْصِ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِ وَاحِدٍ أَوْ عَجْزِهِ، وَأَمَّا حَيْثُ لَا شَرْطَ فَتَجُوزُ وَيُجْعَلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنْوِيهِ مِنْ جُمْلَةِ الْكِتَابَةِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ جَمَاعَةَ الْعَبِيدِ صُوَرُهَا ثَلَاثَةٌ وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَهَا.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْمُكَاتَبُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَوْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ دَفَعَ هَذَا الْإِيهَامَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقٌ) لِرَقِيقِهِ إلَى عَجْزِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ، إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: الْوَلَاءُ لَهُ ابْتِدَاءً لَا لِلسَّيِّدِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا أَعْتَقَ رَقِيقَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَجَازَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ إنْ كَانَ السَّيِّدُ لَا يَنْتَزِعُ مَالَهُ وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ، وَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ بِعِتْقِهِ حَتَّى عَتَقَ أَوْ عَلِمَ وَسَكَتَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ لَا لِلسَّيِّدِ، سَوَاءٌ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ أَمْ لَا. (وَلَا) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا (إتْلَافُ مَالِهِ) وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ بِنَحْوِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ إلَّا مَا خَفَّ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ نَحْوِ دِرْهَمٍ أَوْ كِسْرَةٍ لِسَائِلٍ وَيَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ (حَتَّى يَعْتِقَ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ. (وَلَا) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ (يَتَزَوَّجَ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ زَوَاجُهُ نَظَرًا لِأَنَّ زَوَاجَ الرَّقِيقِ عَيْبٌ وَلِسَيِّدِهِ رَدُّهُ وَفَسْخُهُ، وَلَا شَيْءَ لِزَوْجَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَبَعْدَ الدُّخُولِ يَتْرُكُ لَهَا رُبُعَ دِينَارٍ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ وَلَا تَتْبَعُهُ بِالْبَاقِي إنْ عَتَقَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إجَازَةُ نِكَاحِ الْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى رِضَا مَنْ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ كَبِيرًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ صَغِيرًا لَفُسِخَ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الصَّغِيرِ، وَمَفْهُومُ يَتَزَوَّجُ أَنَّ التَّسَرِّي لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ السُّرِّيَّةِ وَلَا كَلَامَ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ السُّرِّيَّةَ تُبَاعُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ.
(وَلَا) أَيْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ (يُسَافِرَ السَّفَرَ الْبَعِيدَ) الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ قَبْلَ قُدُومِهِ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) رَاجِعٌ لِلتَّزَوُّجِ وَالسَّفَرِ كَمَا قَرَّرَنَا، بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَحَلُّ مَنْعِ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ مِنْ السَّفَرِ الْبَعِيدِ إذْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُهُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ الْعِتْقِ وَمَا مَعَهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ