للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا غَلَّةَ لِلْغَاصِبِ وَيَرُدُّ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ انْتَفَعَ.

وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ وَطِئَ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِرَبِّ الْأَمَةِ.

وَلَا يَطِيبُ لِغَاصِبٍ

ــ

[الفواكه الدواني]

مَعِيبًا بِمَا أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ؟ فَيُقَالُ: ثَمَانِيَةٌ يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ دِرْهَمَيْنِ وَفِي تَرْكِهِ لِلْغَاصِبِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَالْمُصَنِّفُ حَذَفَ أَحَدَ شِقَّيْ التَّخْيِيرِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَجْعَلُهُ كَالسَّمَاوِيِّ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُكْمِ السَّابِقِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا لَخُيِّرَ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ سَالِمًا، وَبَيْنَ أَخْذِ شَيْئِهِ مَعِيبًا وَيَتْبَعُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْئِهِ وَاتِّبَاعُ الْغَاصِبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَخُيِّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ تَبِعَهُ تَبِعَ هُوَ الْجَانِي، فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ أَقَلَّ فَلَهُ الزَّائِدُ مِنْ الْغَاصِبِ فَقَطْ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّمَاوِيَّ الْحَاصِلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا وَتَرْكِهِ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ، وَفِي جِنَايَةِ الْغَاصِبِ بَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ الْأَرْشِ أَوْ تَرْكِهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَفِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ مَعِيبًا وَيَتْبَعُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ فَالصُّوَرُ ثَلَاثٌ.

(تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ النَّقْصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ مَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الذَّاتِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ صَاحِبُهُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ مَا زِيدَ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ مَا أَحْدَثَهُ فِي قِيمَتِهِ أَوْ لَمْ يَزِدْ فِيهَا وَلَمْ يَنْقُصْهَا، وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ خَالِصًا مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَتَرْكِهِ لِلْغَاصِبِ، وَأَمَّا لَوْ حَدَّثَ فِيهِ شَيْئًا فَنَقَصَ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ صَبَغَهُ فَنَقَصَ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ، فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ سَالِمًا مِنْ هَذَا النَّقْصِ.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي التَّخْيِيرِ: كَصِبْغَةٍ فِي قِيمَتِهِ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَدَفَعَ قِيمَةَ الصِّبْغِ بِالْكَسْرِ أَيْ الْمَصْبُوغِ بِهِ وَفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ بَعْدَ سُقُوطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِأَخْذِ بِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ.

وَلَمَّا كَانَ الْغَاصِبُ ظَالِمًا وَالظَّالِمُ لَا يَرْبَحُ قَالَ: (وَلَا غَلَّةَ) مُسْتَحَقَّةٌ (لِلْغَاصِبِ، وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَرُدَّ) جَمِيعَ (مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّةِ) الْمَغْصُوبِ (أَوْ) قِيمَةِ مَا (انْتَفَعَ) بِهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ غَصَبَ رَقَبَةً عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا وَاسْتَغَلَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَاهُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِمَالِكِ عِوَضِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْغَلَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ غَلَّةَ رَبْعٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ هَذَا فِيهِ الْغَلَّةُ النَّاشِئَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ الْغَاصِبِ كَثَمَرَةٍ وَنَسْلِ حَيَوَانٍ وَلَبَنٍ وَصُوفٍ وَمَنْفَعَةِ الْعَقَارِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُرَدُّ لِرَبِّهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَعُلِمَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَأَمَّا مَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكِهِ كَرِبْحِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَنَمَاءِ الْبَذْرِ الْمَغْصُوبِ فَهَذَا لِلْغَاصِبِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتَرُدُّ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّةٍ إلَخْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الذَّاتَ الْمَغْصُوبَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا هُوَ لِلْغَاصِبِ: وَغَلَّةَ مُسْتَعْمِلٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عُطِّلَ لَا يَغْرَمُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ شَيْئًا، كَالدَّارِ يُغْلِقُهَا وَالدَّابَّةِ يَحْبِسُهَا وَالْأَرْضِ يُبَوِّرُهَا وَالْعَبْدِ لَا يَسْتَخْدِمُهُ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَفْوِيتِ الِانْتِفَاعِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَصْبِ الْمَنْفَعَةِ وَيُقَالُ لَهُ التَّعَدِّي، وَالْمُتَعَدِّي يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ إذًا الْمَنْفَعَةَ بَلْ عَطَّلَهُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ نَحْوَ الثَّمَرَةِ وَالنَّسْلِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَمَنْفَعَةِ الْعَقَارِ لِرَبِّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ، وَأَمَّا رِبْحُ الدَّرَاهِمِ وَنَمَاءُ الْبَذْرِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ رَأْسَ الْمَالِ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْحَيَوَانِ وَالرَّقِيقِ فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ أَنَّهَا لِرَبِّ الْمَغْصُوبِ لَا لِلْغَاصِبِ.

(تَنْبِيهٌ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمَغْصُوبِ.

وَفِي خَلِيلٍ أَنَّهَا فِي غَلَّتِهِ حَيْثُ قَالَ: وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ ضَاعَتْ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ السَّارِقُ.

وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا رُجُوعَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ لَا فِي لَبَنٍ وَلَا صُوفٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا ثَمَرَةٍ، فَلَعَلَّ مُرَادَ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَمَا أَنْفَقَ مِنْ الْغَلَّةِ نَحْوَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ طَحْنِهَا لَا نَسْلِهَا وَلَا صُوفِهَا وَلَا لَبَنِهَا فَافْهَمْ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ يَطَؤُهَا الْغَاصِبُ بِقَوْلِهِ: (وَ) مَنْ غَصَبَ أَمَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا فَيَجِبُ (عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ وَطِئَ) حَيْثُ كَانَ مُكَلَّفًا لِأَنَّهُ زَانٍ وَيَغْرَمُ لِسَيِّدِهَا نَقْصَهَا وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وَطْئِهَا صَدَاقٌ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ فَاللَّازِمُ الصَّدَاقُ فِي وَطْئِهَا حَيْثُ وَطِئَهَا قَهْرًا عَلَيْهَا وَكَانَ مُكَلَّفًا. (وَوَلَدُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ مِنْ تِلْكَ الْأَمَةِ. (رَقِيقٌ لِرَبِّ الْأَمَةِ) لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا الْحُرِّ رَقِيقٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ زِنًى أَوْ زَوْجٍ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِهِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَبِ يَطَأُ جَارِيَةَ فَرْعِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَفَلَ الْفَرْعُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهَا لِمَالِكِهَا بِمُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمِلْكُ أَبٍ جَارِيَةَ ابْنِهِ بِتَلَذُّذِهِ بِالْقِيمَةِ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا وَلَدَتْ وَمَاتَ وَلَدُهَا أَوْ مَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ، وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ السَّيِّدِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ وَإِنَّمَا لَهُ أَمَتُهُ، وَأَمَّا إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَبَقِيَ الْوَلَدُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَيَأْخُذُ قِيمَةَ أُمِّهِ فَقَطْ لِأَنَّهَا الْمَغْصُوبَةُ كَمَا لَوْ مَاتَا مَعًا إنْ وَجَدَهُمَا حَيَّيْنِ أَخَذَهُمَا.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>