الْمَالُ رِبْحُهُ حَتَّى يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى رَبِّهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ كَانَ أَحَبَّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَفِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.
ــ
[الفواكه الدواني]
رَدُّ غَلَّةِ الْمَغْصُوبِ النَّاشِئَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِهِ وَالنَّاشِئَةِ عَنْ تَحْرِيكِهِ يَمْلِكُهَا، بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يَرُدَّ الْأَصْلَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَطِيبُ) أَيْ لَا يَحِلُّ (لِغَاصِبِ الْمَالِ) إذَا اتَّجَرَ فِيهِ وَرَبِحَ أَكْلُ. (رِبْحِهِ حَتَّى يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى رَبِّهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الرِّبْحِ وَإِنْ مَلَكَهُ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَفَسَّرْنَا " لَا يَطِيبُ " بِلَا يَحِلُّ لِصَدَقَةٍ بِالْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ وَهُمَا قَوْلَانِ وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا الْحُرْمَةُ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ طَيِّبِهِ بَعْدَ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ عَدَمُ نَدْبِ التَّصَدُّقِ بِهِ قَالَ كَالْمُسْتَدْرَكِ عَلَيْهِ: (وَلَوْ تَصَدَّقَ) الْغَاصِبُ (بِالرِّبْحِ) بَعْدَ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ (كَانَ) أَيْ التَّصَدُّقُ بِهِ (أَحَبَّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِ) الْإِمَامِ (مَالِكٌ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَكْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْإِمَامُ أَشْهَبُ، وَلَعَلَّ وَجْهُ نَدْبِ التَّصَدُّقِ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنْ الْإِثْمِ الْحَاصِلِ بِالْغَصْبِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا تُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» فَإِنْ قِيلَ: نَدْبُ الصَّدَقَةِ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّهَا خَيْرٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] وَلَا مَفْهُومَ لِرِبْحِ هَذَا الْمَالِ، وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمُرَادَ يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ فِي حَقِّ هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَغْصِبْ، فَلَا يُنَافِي نَدْبَ التَّصَدُّقِ لِكُلِّ مَالِكٍ رَشِيدٍ مُتَّسَعٍ فَافْهَمْ. وَلَمَّا كَانَتْ فُرُوعُ بَابِ الْغَصْبِ كَثِيرَةً قَالَ: (وَفِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى) وَهُوَ الْغَصْبُ وَلَعَلَّ تَأْخِيرَهُ لِمُنَاسَبَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ هَذَا الْكِتَابِ شَرَعَ فِي رَابِعِهَا فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute