للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.

أَوْ بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ.

أَوْ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَأْكُلُ وَيُشْرِبُ.

وَإِذًا نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ

ــ

[الفواكه الدواني]

اللِّعَانِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَفِي الْقَسَامَةِ: أَقْسِمُ بِاَللَّهِ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ فَقَطْ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ خَلِيلٍ لَا يَأْبَاهُ، لِأَنَّ قَسَامَةَ الْيَمِينِ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ يَشْمَلُ الْقَسَامَةَ، وَدَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ بِمُجَرَّدِهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.

وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةُ الْقَسَامَةِ مُخْتَلِفَةً لِأَنَّهُ يَحْلِفُهَا فِي الْخَطَإِ مَنْ يَرِثُ وَإِنْ وَاحِدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَا يَحْلِفُهَا فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عُصْبَةً قَالَ: (وَلَا يَحْلِفُ فِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ) مِنْ عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ نَسَبًا وَإِلَّا فَمِنْ الْمَوَالِي، لِأَنَّ أَيْمَانَ الْأَوْلِيَاءِ أُقِيمَتْ مَعَ اللَّوْثِ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَكْتَفِ فِي الْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَكْفِي فِي الْأَيْمَانِ وَاحِدٌ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَضَ الْأَيْمَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ حَيْثُ قَالَ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ وَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِمَا وَلَوْ لَمْ يَرِثَا بِالْفِعْلِ، وَمَفْهُومُ رَجُلَيْنِ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَحْلِفْنَ فِي الْعَمْدِ لِعَدَمِ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ، وَإِنْ انْفَرَدْنَ صَارَ الْمَقْتُولُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَكَتَ عَنْ أَكْثَرِ مَنْ يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْأَقَلُّ مَحْدُودًا عَيْنُهُ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْأَكْثَرُ مَحْدُودًا سَكَتَ عَنْهُ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ يَجِبُ بِهَا الْقَوْدُ فِي الْعَمْدِ بَيْنَ مَنْ يُقْتَلُ بِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ) وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ عَمْدًا جَمَاعَةً وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مُبَاشَرَةُ قَتْلِهِ وَلَا التَّمَالُؤُ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُعِينُونَ وَاحِدًا بِاخْتِيَارِهِمْ وَيَقْسِمُونَ عَلَى عَيْنِهِ وَيَقُولُونَ هُمْ الْقَسَامَةُ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ لَا مِنْ ضَرْبِهِمْ، فَفِي الْمُوَطَّإِ: لَمْ تُعْلَمْ قَسَامَةٌ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ وَذَلِكَ لِضَعْفِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ قَتَلَهُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ؟ فَالْمُحَقَّقُ وَاحِدٌ، وَاَلَّذِي تُرِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ: يُقْسِمُونَ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَيَقْتُلُونَ وَاحِدًا بَعْدَ الْقَسَامَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى غَيْرِهِ سِوَى ضَرْبِ مِائَةٍ وَحَبْسِ سَنَةٍ وَاحْتَرَزْنَا فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ عَمَّا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ جَمِيعًا، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالنَّفَرُ يَقْتُلُونَ رَجُلًا فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ وَالْمُتَمَالَئُونَ وَإِنْ بِسَوْطٍ سَوْطٍ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْقَتْلَ يَحِلُّ بِالْقَسَامَةِ إذَا وَجَبَتْ بَيَّنَ هُنَا مَحَلَّ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَسَامَةُ) فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (بِقَوْلِ الْمَيِّتِ) الْبَالِغِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ قَبْلَ مَوْتِهِ. (دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ) سَوَاءٌ كَانَ فُلَانٌ الْقَاتِلُ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا بِخِلَافِ الْقَاتِلِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلَانِ، وَأَنْ يَتَمَادَى عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يَمُوتَ، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الدَّمُ وَهَذَا أَوَّلُ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْقَسَامَةُ سَبَبُهَا قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ يَقُولَ بَالِغٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ قَتَلَنِي فُلَانٌ وَلَوْ خَطَأً أَوْ مَسْخُوطًا عَلَى وَرَعٍ أَوْ وَلَدًا عَلَى وَالِدِهِ أَنَّهُ ذَبَحَهُ أَوْ زَوْجَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ كَانَ الْقَاتِلُ عَدُوًّا لِلْمَقْتُولِ.

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تُؤَكِّدُ صِدْقَ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْقَتْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى قَوْلِهِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ هُوَ نَصُّ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إلَّا فِي شَهَادَةٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ أَوْ الْجُرْحِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِالْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ عَمْدًا لَا خَطَأً، فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِجُرْحِ الْخَطَإِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى إقْرَارِهِ نَاقِلٌ شَهَادَتَهُ، وَلَا يَنْقُلُ عَنْ الشَّاهِدِ إلَّا اثْنَانِ وَسَنَذْكُرُهُ أَيْضًا.

(تَنْبِيهٌ) إذَا عَلِمْت مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْيِيدِ قَبُولِ قَوْلِ الْمَيِّتِ بِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَالِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ الْمَوْتِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جُرْحٌ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَأَثَرِ ضَرْبٍ أَوْ سُمٍّ، لِأَنَّ التَّدْمِيَةَ الْبَيْضَاءَ لَا يُعْمَلُ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالْحَمْرَاءِ وَهِيَ الَّتِي صَحِبَهَا جُرْحٌ،

وَأَشَارَ إلَى مِثَالٍ ثَانٍ مِنْ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَاهِدٍ) أَيْ وَتَجِبُ الْقَسَامَةُ أَيْضًا بِسَبَبِ شَهَادَةٍ (عَلَى) مُعَايَنَةِ (الْقَتْلِ) أَيْ مَعَ يَمِينٍ تَكْمِلَةً لِلنِّصَابِ، وَسَوَاءٌ تَأَخَّرَ الْمَوْتُ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ أَمْ لَا،

بِخِلَافِ الْمِثَالِ الثَّالِثِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَاهِدَيْنِ) أَيْ وَكَذَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِسَبَبِ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.

(عَلَى) مُعَايَنَةِ (الْجَرْحِ) بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْفِعْلُ أَوْ الضَّرْبُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَمْ يَنْفُذْ شَيْءٌ مِنْ مُقَاتَلَةٍ.

(ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ) الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ.

(وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ) وَهَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا فِي خَلِيلٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ يَتَأَخَّرُ مَوْتُهُ، إذْ لَوْ مَاتَ سَرِيعًا بَعْدَ جَرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلٌ مِنْ مُقَاتِلِهِ بِالْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ لَثَبَتَ الْقَتْلُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَسَامَةٍ، وَتَسْتَحِقُّ الْأَوْلِيَاءُ الْقِصَاصَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ، وَقَوْلُنَا: عَلَى مُعَايَنَةِ الْجُرْحِ احْتِرَازٌ عَنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِأَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ الْمَوْتُ لِضَعْفِ أَمْرِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْمُعَايَنَةِ، وَيَجِبُ فِي حَالِ حَلِفِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ بِأَنْ يَقُولُوا لِمَنْ جُرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ مَاتَ، أَوْ إنَّمَا مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>