للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا.

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاتِهِ مَعَهُ غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ حَلَفَ الْخَمْسِينَ.

ــ

[الفواكه الدواني]

تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مِثْلُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ فِي أَنَّهُ لَوْثٌ شَهَادَتُهُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ مِثْلُ ذَلِكَ شَهَادَتُهُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا لَا خَطَأً فَلَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِيهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْخَطَإِ جَارٍ مَجْرَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى إقْرَارِهِ نَاقِلٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ كَمَا لَوْ قَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَالْجَرْحُ يَثْبُتُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَوْثٌ، لَوْ اجْتَمَعَ إقْرَارٌ مِنْ الْقَاتِلِ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً وَشَهَادَةُ شَاهِدٍ عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ وَإِنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ رُؤْيَةُ الْعَدْلِ الْمَقْتُولَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَيَضْطَرِبُ فِيهِ، وَالشَّخْصُ الْمُتَّهَمُ بِقُرْبِهِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْقَتْلِ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ الْآلَةُ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ مِنْ يَمِينٍ مُكَمِّلَةٍ لِلنِّصَابِ، وَمِثْلُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ شَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ كُلٍّ مَا يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْعَدْلِ، وَصِفَةُ الْيَمِينِ الْمُكَمِّلَةِ لِلنِّصَابِ فِيهَا خِلَافٌ، فَقِيلَ يَحْلِفُهَا قَبْلَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ، وَقِيلَ يَحْلِفُهَا مَعَ كُلِّ يَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ مَعَ كُلِّ يَمِينٍ مِنْ الْخَمْسِينَ: لَقَدْ جَرَحَهُ وَلَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ وَيَقُولُونَ فِي كُلِّ يَمِينٍ: لَقَدْ قَتَلَهُ فَقَطْ، وَتَجِبُ الْقَسَامَةُ وَإِنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ وَلَيْسَ مِنْ اللَّوْثِ وُجُودُ الْمَقْتُولِ فِي قَرْيَةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ حَيْثُ كَانَ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ قَرْيَتَهُمْ سِوَاهُمْ وَوُجِدَ قَتِيلٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فِيهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا، كَمَا فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ فِيهِ الْقَسَامَةَ لِابْنَيْ عَمِّهِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَأَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ الْحَلِفِ لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِمْ أَحَدًا يَقْتُلُهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ وُجُودَ الْمَقْتُولِ بِمَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ دَارِهِمْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَطْرُوقٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَيْبَرَ إذْ ذَاكَ لَمْ يَدْخُلْهَا إلَّا الْيَهُودُ.

الثَّانِي: حَقِيقَةُ اللَّوْثِ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي وَقَدْ مَرَّتْ أَمْثِلَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَضْعَفُهَا أَوَّلُهَا لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى قَبُولِ دَعْوَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ ضَعِيفَةٍ، لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ إنَّمَا شَهِدَا عَلَى قَوْلِهِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدِّمَاءَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْأَمْوَالِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِيهَا وَلَوْ بِفَلْسٍ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي بِالْقَتْلِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ؟ وَأَيْضًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى أُنَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَكُلُّ مَا يُحَاوِلُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْحُجَجِ ضَعِيفٌ، وَلَا أَعْلَمُ مَنْ وَافَقَ الْإِمَامَ عَلَى قَوْلِهِ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ سِوَى اللَّيْثِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ، هَكَذَا حَكَى عَنْ بَعْضِ كِبَارِ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ: قَدْ أَكْثَرَ التَّشْنِيعَ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.

قَالَ الشَّاذِلِيُّ فِي الْجَوَابِ الدَّافِعِ لِإِشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَقُولُ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ: «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا» إلَخْ صَرِيحٌ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُدَّعِي فِي الدِّمَاءِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَاسْتِدْلَالُ الْجُمْهُورِ لِمَذْهَبِهِمْ بِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ بِحَدِيثِ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ» إلَخْ لَا دَلِيلَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لِلدَّمِ الطَّالِبَ لَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْتُولُ وَإِنَّمَا هُوَ الْوَلِيُّ، وَلَمْ نُعْطِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ بَلْ بِمَا انْضَمَّ لَدَعْوَاهُ مِنْ قَوْلِ الْمَقْتُولِ الَّذِي يَغْلِبُ مَعَهُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ؟ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِوُجُودِ الْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقَسَامَةِ إنَّمَا هِيَ لِحِرَاسَةِ الْأَنْفُسِ فَتَكْفِي فِيهَا الشُّبْهَةُ وَاللَّطْخُ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْأَنْفُسِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩] فَالْعَمَلُ بِهَا مِنْ

الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ

الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْإِمَامُ مَذْهَبَهُ، حَتَّى تُرْتَبَ عَنْهُ الْعَلَّامَة خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ قَتْلُ ثُلُثِ الْمُفْسِدِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِإِصْلَاحِ الثُّلُثَيْنِ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا لِلْإِصْلَاحِ لَا إنْ كَانَ يَحْصُلُ بِنَحْوِ الْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا عَرَفْت.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْقَتْلَ أَوْ الدِّيَةَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِتَمَامِ الْحَلِفِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْلِفْ الْأَوْلِيَاءُ فَقَالَ: (وَإِذَا نَكِلَ مَدْعُوُّ الدَّمِ) عَنْ حَلِفِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَلَوْ بَعْضُهُمْ حَيْثُ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْحَالِفِ فِي الدَّرَجَةِ (حَلَفَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْبَدَلِ مُرْتَهَنٌ بِالْقَتْلِ، وَمِثْلُ نُكُولِ الْبَعْضِ عَفْوُهُ، فَإِذَا حَلَفُوا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِذَا أَرَادَ النَّاكِلُ الرُّجُوعَ إلَى الْحَلِفِ لَمْ يُجَبْ إلَى ذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: فَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ وَمَنْ نَكِلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ.

وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: إذَا نَكِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>