للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ لَهُ قِيمَتُهَا فَقَطْ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الثَّمَنَ فَيَأْخُذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي بَاعَهَا وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ غَاصِبٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ مَعَهَا لِرَبِّهَا

وَمُسْتَحِقُّ الْأَرْضِ بَعْدَ أَنْ عَمَرَتْ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ قَائِمًا فَإِنْ أَبَى دَفَعَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْبُقْعَةِ بَرَاحًا فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ بِقِيمَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَالْغَاصِبُ يُؤْمَرُ بِقَلْعِ بِنَائِهِ وَزَرْعِهِ وَشَجَرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ رَبُّهَا قِيمَةَ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تَكُونُ أُمُّ وَلَدٍ لِمَنْ اسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِثَمَنِهَا عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ كَانَ غَاصِبًا، سَوَاءٌ سَاوَى مَا غَرِمَهُ لِمُسْتَحِقِّهَا أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَلَكِنْ مَا قَبَضَهُ رَبُّهَا إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ إذَا فَاتَ يَجِبُ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ.

(وَقِيلَ) يُقْضَى لِمُسْتَحِقِّهَا بِأَنْ (يَأْخُذَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ) وَنُسِبَ لِمَالِكٍ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا لَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ.

(وَقِيلَ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ (قِيمَتُهَا فَقَطْ) يَوْمَ وَطْئِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي وَلَدِهَا (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ) مُسْتَحِقُّهَا أَخْذَ (الثَّمَنِ) دُونَ الْقِيمَةِ (فَيَأْخُذُهُ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي بَاعَهَا) فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ وَكُلُّهَا عَنْ الْإِمَامِ وَأَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا كَمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ يَدِ رَقِيقٍ لَقُضِيَ لِسَيِّدِهَا بِأَخْذِهَا مَعَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ زِنًى، فَلَوْ مَاتَتْ الْأَمَةُ قَبْلَ قِيَامِ الْمُسْتَحِقِّ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا فَقَطْ إذَا وَجَدَهَا حَيَّةً وَهُوَ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَلَدِ الَّذِي وُجِدَ حَيًّا، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا حَتْفَ أَنْفِهِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى الْأَبِ إنْ اُقْتُصَّ مِنْ قَاتِلِهِ أَوْ عُفِيَ عَنْهُ، لَكِنْ لِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ الْأَقَلُّ إنْ أَخَذَ دِيَةً، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ وَلَدَتْ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَلِدْ لَكَانَ لِمُسْتَحِقِّهَا أَخْذُهَا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مُشْتَرِيهَا فِي وَطْئِهَا، وَحَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ صَاحِبِ الشُّبْهَةِ لِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَانَتْ) الْأَمَةُ الْمُسْتَحِقَّةُ (بِيَدِ غَاصِبٍ) وَهُوَ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْ يَدِ مَالِكِهَا قَهْرًا عَلَيْهِ (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) إنْ وَطِيءَ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ مَالِكِهَا (وَوَلَدُهُ) مِنْهَا (رَقِيقٌ) يَرُدُّ (مَعَهَا لِرَبِّهَا) وَحُكْمُ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَاصِبٌ، كَحُكْمِ الْغَاصِبِ فِي قَطْعِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ حَيْثُ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارٍ بِعِلْمِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ إقْرَارٍ مِنْهُ بَعْدَ وَطْئِهَا أَنَّهُ وَطِئَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِغَصْبِهَا فَقَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ: يُحَدُّ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، وَلَكِنْ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْوَلَدِ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْحَدُّ، وَلُحُوقُ الْوَلَدِ وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ عِدَّةُ مَسَائِلَ:

إحْدَاهُنَّ مَنْ يَشْتَرِي مَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ أُخْتٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ أُمٍّ وَيَطَؤُهَا مَعَ إقْرَارِهِ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ.

ثَانِيَتُهَا: مَنْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَيُوَلِّدُهَا ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ.

ثَالِثَتُهَا: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَحْرَمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهَارَةٍ وَيُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا عَالِمًا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ.

وَرَابِعَتُهَا: أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُولَدَ لَهُ ثُمَّ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا وَمَعَهُ أَرْبَعٌ وَوَطِئَهَا عَالِمًا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ، فَجُمْلَةُ الْمَسَائِلِ مَعَ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ خَمْسٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْوَاطِئِ يَقْتَضِي أَنَّهُ زَانٍ، وَالْمُتَخَلِّقُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا لَا يَلْحَقُ بِصَاحِبِ الْمَاءِ شَرْعًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ لُحُوقِ الْوَلَدِ اسْتِنَادُ الْوَطْءِ لِعَقْدٍ فِي الْجُمْلَةِ وَلَزِمَهُ الْحَدُّ لِضَعْفٍ فِي الشُّبْهَةِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْأَمَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَحَقَّاتِ فَقَالَ: (وَمُسْتَحِقُّ الْأَرْضِ) مِنْ يَدِ صَاحِبِ شُبْهَةٍ بِمِلْكٍ (بَعْدَ أَنْ عَمَرَتْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ عَمَرَهَا صَاحِبُ الشُّبْهَةِ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَالْمُسْتَحِقُّ لَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ (يَدْفَعَ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ) أَيْ مَا عَمَرَتْ بِهِ حَالَةَ كَوْنِ الْبِنَاءِ (قَائِمًا) ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ غَاصِبٍ حَيْثُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْغَصْبِ، وَقَوْلُهُ: قَائِمًا أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ الْغَيْرِ الْمُغَيَّا إنْ كَانَ الْبَانِي مُشْتَرِيًا مَثَلًا، أَوْ عَلَى التَّأْبِيدِ الْمُغَيَّا بِحَدٍّ إنْ كَانَ الْبَانِي مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا لِلْأَرْضِ وَحَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. (فَإِنْ أَبَى) الْمُسْتَحِقُّ مِنْ دَفْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ قَائِمًا (دَفَعَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي) صَاحِبُ الشُّبْهَةِ (قِيمَةَ الْبُقْعَةِ بَرَاحًا) أَيْ خَالِيَةً مِمَّا عَمَرَتْ بِهِ. (فَإِنْ أَبَى) الْمُشْتَرِي أَيْضًا أَوْ كَانَ عَدِيمًا (كَانَا) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ (شَرِيكَيْنِ بِقِيمَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ) الْمُرَادُ مِنْهُمَا فَالْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ أَرْضِهِ خَرِبَةً وَصَاحِبُ الشُّبْهَةِ بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلٍّ يَوْمَ الْحُكْمِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ كَذَلِكَ كَانَا شَرِيكَيْنِ بِالْمُنَاصَفَةِ.

وَقَدْ أَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا، وَإِنْ أَبَى فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ. وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَرَقَّعَهُ أَوْ سَفِينَةً خَرِبَةً وَأَصْلَحَهَا أَوْ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ، وَقَيَّدْنَا الِاسْتِحْقَاقَ بِالْمِلْكِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحَبْسِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: إلَّا الْمُحْبَسَةَ فَالنَّقْضُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ أَرْضًا مِنْ يَدِ صَاحِبِ شُبْهَةٍ بِوَقْفٍ بَعْدَ أَنْ بَنَاهَا أَوْ غَرَسَهَا مُشْتَرِيهَا فَلَيْسَ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ إلَّا نَقْضُهُ أَوْ شَجَرَةً، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الْوَقْفِ، وَلَيْسَ لَنَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>