للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ النَّقْضِ وَالشَّجَرِ مُلْقًى بَعْدَ قِيمَةِ أَجْرِ مَنْ يَقْلَعُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ

وَيَرُدُّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ وَلَا يَرُدُّهَا غَيْرُ الْغَاصِبِ وَالْوَلَدُ فِي الْحَيَوَانِ وَفِي الْأَمَةِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُمَّهَاتِ

ــ

[الفواكه الدواني]

يُطَالِبُهُ الْبَانِي بِقِيمَةِ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ قَائِمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقْطَعَ رَجُلًا أَرْضًا فَأَحْيَاهَا وَغَرَسَ فِيهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَاسْتَحَقَّهَا، وَاخْتَصَمَا فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى لِلْأَوَّلِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا أَحْيَا، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، فَقَالَ لِلْآخَرِ: أَعْطِهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ بَيْضَاءَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَضَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ وَهَذَا بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ. وَإِنَّمَا بَدَأَ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا لِكَوْنِ الْأَرْضِ لَهُ، وَانْتَقَلَ الْخِيَارُ لِلْبَانِي إذَا أَبَى الْمُسْتَحِقُّ لِيَزُولَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا وَكَانَا شَرِيكَيْنِ إذَا أَبَيَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ حَقٌّ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ لَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ يَدِ صَاحِبِ شُبْهَةٍ لِقَوْلِهِ هُنَا: (وَالْغَاصِبُ) لِعَرْصَةٍ وَيَبْنِيهَا أَوْ يَغْرِسُهَا ثُمَّ يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهَا مِنْهَا (يُؤْمَرُ) أَيْ الْغَاصِبُ (بِقَلْعِ بِنَائِهِ وَزَرْعِهِ وَشَجَرِهِ) إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَيُؤْمَرُ أَيْضًا بِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ مِثْلَ مَا كَانَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .

وَبَنَى يُؤْمَرُ لِلْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بِفَاعِلِ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَالِكُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ رَبُّهَا) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ (قِيمَةَ ذَلِكَ النِّقْضِ) بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى الْمَنْقُوضِ كَالذِّبْحِ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ.

(وَ) قِيمَةَ (الشَّجَرِ مُلْقًى) أَيْ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ظَالِمٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّجَرُ يَنْبُتُ بَعْدَ قَلْعِهِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ مَا ذُكِرَ (بَعْدَ) أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا (قِيمَةُ) أَيْ (أَجْرِ مَنْ يَقْلَعُ ذَلِكَ) أَوْ يَهْدِمُ الْبِنَاءَ إنْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُ الْغَاصِبِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَبِيدِهِ، وَإِلَّا دَفَعَ قِيمَةَ الْأَنْقَاضِ أَوْ الشَّجَرِ بِتَمَامِهَا.

مِثَالٌ يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْأَنْقَاضِ أَوْ الْأَشْجَارِ بَعْدَ قَلْعِهَا عَشَرَةً وَأُجْرَةُ مَنْ يَقْلَعُهَا أَرْبَعَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَدْفَعُ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ سِتَّةً، وَإِنْ كَانَ شَأْنُ الْغَاصِبِ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ تُدْفَعُ لَهُ الْعَشَرَةُ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا.

وَالشِّقُّ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَوْ يَأْمُرُهُ بِقَلْعِهِ وَتَسْوِيَةِ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَحِقِّ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَأَيْضًا هُوَ صَاحِبُ الْأَصْلِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ قَبْلَ الظَّفَرِ بِالْغَاصِبِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهَا تَجِبُ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْغَاصِبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكِرَاءُ أَرْضٍ تَنْبُتُ وَبِنَاؤُهَا اسْتِعْمَالٌ.

قَالَ خَلِيلٌ أَيْضًا: وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ فَتَسْقُطُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَةِ الْأَنْقَاضِ، كَمَا تَسْقُطُ أُجْرَةُ مَنْ يَتَوَلَّى قَلْعَهَا عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ كَدَارٍ قَفَلَهَا أَوْ أَرْضٍ بَوَّرَهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْغَلَّةَ، بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّي وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَخْذَ الْمَنْفَعَةِ دُونَ تَمَلُّكِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ عَطَّلَهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ بِالْمُنْتَفَعِ بِهِ بَعْدَ قَلْعِهِ لِقَوْلِهِ: (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِلْغَاصِبِ (فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) مِنْ زَرْعِهِ أَوْ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ (بَعْدَ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ) مِثْلُ الْبَيَاضِ وَالنَّقْشِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الشَّجَرِ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ أَوْ الْبِنَاءِ الْكَائِنِ بِالطُّوبِ النِّيءِ كَمَا فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أُخِذَ بِلَا شَيْءٍ وَإِلَّا فَلَهُ، فَلَعَلَّهُ إنْ لَمْ يُفْتِ وَقْتَ مَا تُرَادُ لَهُ وَإِلَّا فَكِرَاءُ السَّنَةِ كَذِي شُبْهَةٍ وَمُقَابِلٍ فَلَهُ قَلْعُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِهِ مَجَّانًا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يُعَدُّ بَائِعًا لَهُ، وَأَمَّا إذَا فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَا زَرَعَ فِيهَا فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاءُ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَلْعِهِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَذِي شُبْهَةٍ فَهُوَ تَشْبِيهٌ فِي لُزُومِ كِرَاءِ السَّنَةِ لَا بِقَيْدِ فَوَاتِ الْإِبَّانِ بَلْ بِقَيْدِ بَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَاتَ الْإِبَّانُ لَمْ يُتْبَعْ صَاحِبُ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَنْ اغْتَلَّ شَيْئًا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَرُدُّ الْغَاصِبُ) وَمِثْلُهُ اللِّصُّ الْمَعْرُوفُ بِالسَّارِقِ، وَكَذَا الْخَائِنُ وَالْمُخْتَلِسُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيمَا اغْتَلَّهُ.

(الْغَلَّةَ) الَّتِي اسْتَوْفَاهَا مِنْ الذَّوَاتِ الْمَمْلُوكَةِ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَرَامِ، وَصِفَةُ رَدِّهَا أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً مَعْلُومَةَ الْكَمِّ، كَأَشْجَارٍ جَذَّ ثِمَارَهَا، وَأَغْنَامٍ جَزَّ صُوفَهَا، وَمَوَاشٍ اسْتَوْفَى أَلْبَانَهَا، وَإِنْ جُهِلَتْ الْكَمِّيَّةُ أَوْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً فَتُرَدُّ الْقِيمَةُ، وَفِي الْغَلَّةِ تَفْصِيلٌ مُحَصِّلُهُ أَنَّ غَلَّةَ نَحْوِ الْعَبْدِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَلْزَمُ غَلَّتُهُ إلَّا بِاسْتِعْمَالِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَغَلَّةُ مُسْتَعْمِلٍ، وَأَمَّا لَوْ عَطَّلَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الدَّابَّةَ وَلَا زَرْعَ الْأَرْضِ فَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهَا فِي مُدَّةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْغَلَّةُ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ كَثَمَرِ الشَّجَرِ وَصُوفِ الْغَنَمِ وَلَبَنِ الْبَقَرِ فَهَذَا يَرُدُّهُ الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَأَمَّا رِبْحُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَنَمَاءُ الْبَذْرِ الْمَغْصُوبِ فَلَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ الْوَاجِبَ رَدُّ مِثْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ: وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَالُ تَاجِرًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لُزُومُ رَدِّ الْغَلَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الذَّاتُ الْمَغْصُوبَةُ ذَهَبَتْ، وَلُزُومُ الْغَاصِبِ قِيمَتَهَا.

وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>