للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِئْرُ جَارِهِ وَلَهُ زَرْعٌ يَخَافُ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُهُ فَضْلَهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ثَمَنٌ أَمْ لَا

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الرَّجُلُ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ

وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَاشِيَةُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ بِاللَّيْلِ فَذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ

ــ

[الفواكه الدواني]

خِيفَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ مَجَّانًا وَلَا يَتْبَعُهُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِ، إلَّا مَا فَضَلَ مِنْ بِئْرِ الزَّرْعِ الْكَائِنِ فِي أَرْضِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَنْهَدِمَ بِئْرُ جَارِهِ وَلَهُ زَرْعٌ) زَرَعَهُ عَلَى تِلْكَ الْبِئْرِ الْمُنْهَدِمَةِ وَالْحَالُ أَنَّهُ (يَخَافُ عَلَيْهِ) التَّلَفَ مِنْ الْعَطَشِ (فَلَا يَمْنَعُهُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ صَاحِبُ الْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ جَارَهُ (فَضْلَهُ) أَيْ فَضْلَ الْمَاءِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْ سَقْيِ زَرْعِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي الْجَبْرِ: كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ وَأَخَذَ يُصْلِحُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَالْمُصَنِّفُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَرْعٌ عَلَى أَصْلِ مَاءِ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْإِصْلَاحِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْفَضْلِ لَهُ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ عَدَمُ لُزُومِ الثَّمَنِ قَالَ: (وَاخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ) أَيْ الْجَارِ (فِي ذَلِكَ) الْمَاءِ الْفَاضِلِ مِنْ بِئْرِ الزَّرْعِ.

(ثَمَنٌ أَمْ لَا) عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا ثَمَنَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ يُونُسَ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ مَعَهُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَيَّدْنَا الْخِلَافَ بِثَمَنِ فَضْلِ بِئْرِ الزَّرْعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ فَضْلِ بِئْرِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ الْمَمْلُوكَةِ، فَإِنَّ فِيهِ الثَّمَنُ قَوْلًا وَاحِدًا حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا مَعَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمَاءِ لَا إنْ لَمْ يُوجَدْ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بِئْرَ الزَّرْعِ لَمْ يَقْصِدْ حَافِرُهَا بَيْعَ مَائِهَا فَأَشْبَهَتْ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ، فَيَجِبُ عَلَى حَافِرِهَا دَفْعُ الْفَاضِلِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فَضْلَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي لَمْ يُبَيِّنْ حَافِرُهَا الْمِلْكِيَّةَ، وَفَضْلُ بِئْرِ الزَّرْعِ بِشُرُوطِهِ يُجْبَرُ مَالِكُهُمَا عَلَى دَفْعِهِمَا مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا، وَأَمَّا فَضْلُ بِئْرِ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَهُ مَنْعُهُ وَذَلِكَ كَمَاءِ بِئْرٍ أَوْ صِهْرِيجٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ بِئْرِ مَاشِيَةٍ أَشْهَدَ عَلَى قَصْدِ تَمَلُّكِهَا حِينَ حَفَرَهَا فَإِنَّمَا فِيهِ الثَّمَنُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَمِثْلُ ثَمَنِ الْمَاءِ ثَمَنُ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ لِلْمُضْطَرِّ.

قَالَ خَلِيلٌ: كَفَضْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، قَالَ شُرَّاحُهُ: أَوْ لِبَاسٌ لِمُضْطَرِّ وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا وَجَبَ دَفْعُهُ مَجَّانًا، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ فَضْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ اللِّبَاسِ لِلْمُضْطَرِّ إنْ امْتَنَعَ يَجُوزُ لَهُ مُقَاتَلَتُهُ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ يَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُضْطَرِّينَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُقَاتَلَةٌ وَتَرَكُوهُمْ حَتَّى مَاتُوا عَطَشًا أَوْ جُوعًا فَدِيَاتُهُمْ عَلَى عَوَاقِلِ رَبِّ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُونَ بِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَانِعُ الزَّكَاةِ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُقْصَدْ بِمَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ قَتْلُ الْمُضْطَرِّ، وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى قَتْلِهِ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ مُشَبِّهًا فِي الْقِصَاصِ: كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ وَمِثْلُهُ الشَّرَابُ لِمُضْطَرٍّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْجَارِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ الْجَارِ: وَلَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فَقَالَ: (وَيَنْبَغِي) أَيْ يُنْدَبُ (أَنْ لَا يَمْنَعَ الرَّجُلُ) الْمُجَاوِرُ لِغَيْرِهِ (جَارَهُ) مِنْ (أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْفَاقِ وَجَلْبِ الْمَوَدَّةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ إعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبِهِ وَإِرْفَاقٍ بِمَاءٍ وَفَتْحِ بَابٍ، وَالنَّهْيُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ» لِلْكَرَاهَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّ الْجَارِ مِلْكًا لَهُ أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا نَاظِرُ الْمَسْجِدِ أَوْ نَائِبُهُ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُنْدَبُ لَهُ إعَارَةُ الْجَارِ مَوْضِعًا لِغَرْزِ خَشَبِهِ فِيهِ أَوْ يُمْنَعُ عَلَى قَوْلَيْنِ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ حَمْلٌ يَنْبَغِي عَلَى الْوُجُوبِ الَّذِي يُقْضَى بِهِ دَفْعُهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ) أَيْ الْجَارِ بِالْإِعَارَةِ لِمَوْضِعِ غَرْزِ الْخَشَبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَضْطَرَّ الْجَارُ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ أَعَارَهُ الْجَارُ مَوْضِعًا لِغَرْزِ خَشَبَةٍ مِنْ جِدَارِهِ وَأَرَادَ الْمَنْعَ، فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ، وَأَمَّا لَوْ أُعِيرَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا الْإِخْرَاجِ فِي كَبِنَاءٍ إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ، وَفِيهَا أَيْضًا قِيمَتُهُ وَهَلْ خِلَافُ أَوْ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ إنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَوْ إنْ طَالَ أَوْ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ تَأْوِيلَاتٌ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا أَفْسَدَتْهُ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا سَائِقَ لَهَا وَلَا قَائِدَ وَلَا رَاكِبَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الَّتِي لَهَا سَائِقٌ أَوْ رَاكِبٌ فَقَالَ: (وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَاشِيَةُ) الْمُمْكِنَةُ الْحِرَاسَةِ وَغَيْرُ الْمَعْرُوفَةِ بِالْعَدَاءِ (مِنْ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ بِاللَّيْلِ فَذَلِكَ) أَيْ وَاجِبٌ مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلٍ (عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى رَبِّهَا، وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا فَقِيمَتُهُ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ الْآنَ عَلَى جَوَازِ شِرَائِهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ سَالِمًا وَعَلَى تَقْدِيرِ جَائِحَتِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، فَلَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ حَتَّى عَادَ الزَّرْعُ لِهَيْئَتِهِ سَقَطَتْ قِيمَتُهُ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِيَةَ فِي قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ الْجَانِي بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ، وَهَذَا فِيمَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا تَرَكُوهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ، وَأَمَّا لَوْ رَبَطُوهَا رَبْطًا وَثِيقًا أَوْ غَلَّقُوا عَلَيْهَا الْبَابَ كَذَلِكَ لَانْتَفَى عَنْهَا الضَّمَانُ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مِنْ الزُّرُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>