للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ وَتَنَاوَلْ إذَا شَرِبْت مِنْ عَلَى يَمِينِك

وَيُنْهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ

وَعَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا

وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ أَوْ الثُّومَ أَوْ الْبَصَلَ نِيئًا أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ) لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَشْرَبُ وَيَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَهُ يَمِينٌ. (وَ) مِنْ الْآدَابِ أَيْضًا إذَا صَاحَبَك مَنْ هُوَ عَلَى يَمِينِك وَعَلَى يَسَارِك أَنْ (تُنَاوِلَ إذَا شَرِبْت) أَوْ أَكَلْت (مَنْ) هُوَ (عَلَى يَمِينِك) مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى شِمَالِك لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَدِّمُ مَنْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَيَقُولُ: «الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ» فَمِنْ جُمْلَةِ مَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ» يَعْنِي أَعْطَاهُ، وَهَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ وَهِيَ أَنَّ الْقُرْبَ لَا يُقَدِّمُ الشَّخْصُ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ إلَّا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ إذْنُ عَائِشَةَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي دَفْنِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَتْ أَعَدَّتْهَا لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تِلْكَ الْقَاعِدَةَ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّ دَفْنَ عُمَرَ عِنْدَ النَّبِيِّ أَقْرَبُ إلَى خَاطِرِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دَفْنِهَا، فَآثَرَتْ مَا فِيهِ رِضَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا تُحِبُّهُ لِنَفْسِهَا، فَلَمْ تَنْتَقِلْ مِنْ قُرْبَةٍ إلَّا لِأَعَمَّ مِنْهَا.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْآدَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ شَرَعَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ فَقَالَ: (وَيُنْهَى) لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ، وَ) عَنْ النَّفْخِ فِي (الشَّرَابِ) خَوْفَ إصَابَةِ رِيقِهِ لِلْبَاقِي، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ فَقِيلَ لِإِهَانَةِ الطَّعَامِ وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهِ وَإِنْ أَكَلَ وَحْدَهُ، وَقِيلَ لِئَلَّا يُصِيبَ رِيقُهُ الْبَاقِيَ فَيُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ فَمَحِلُّ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.

(وَ) يُنْهَى الشَّخْصُ أَيْضًا عَنْ النَّفْخِ فِي (الْكِتَابِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْكِتَابِ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا لَهُ أَوْ كِتَابًا كَتَبَهُ لِغَيْرِهِ خَوْفَ مَحْوِهِ وَإِهَانَتِهِ، أَوْ خَوْفَ التَّفَاؤُلِ بِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ إذَا كَانَ مُرْسَلًا لِلْغَيْرِ، وَالْمَطْلُوبُ فِيهِ التَّتْرِيبُ بَدَلَ النَّفْخِ، فَقَدْ كَتَبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كِتَابَيْنِ وَتَرَّبَ أَحَدَهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ، فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْمُتَرَّبِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالشَّائِعُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ: مَا خَابَ كِتَابٌ تَرِبَ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُنْهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ إذْ النَّاهِي هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِمَّنْ رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ. أَمَّا قَوْلُ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ: إنَّ الْمُصَنِّفَ انْفَرَدَ بِالْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ النَّفْخِ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَلِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْحَدِيثِ، أَوْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: انْفَرَدَ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذِكْرِهِ لَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ كَرَاهَةُ النَّفْخِ فِي الْكِتَابِ وَلَوْ قَصَدَ تَجْفِيفَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِ بَعْضِ الشُّيُوخِ: وَالتُّرَابُ أَبْرَكُ.

(وَ) يُنْهَى عَلَى وَجْهِ الْحُرْمَةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (عَنْ الشَّرَابِ) أَوْ الْأَكْلِ أَوْ الْوُضُوءِ (فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَأَلْحَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَائِرَ الِاسْتِعْمَالَاتِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَإِنَاءُ نَقْدٍ وَاقْتِنَاؤُهُ وَإِنْ لِامْرَأَةٍ، وَيَتَعَيَّنُ كَسْرُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَهَا، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُقْتَنِيهِمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا لِمَنْ يَكْسِرُهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُبَاعُ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَقْدٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ مِنْ نَوْعِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ وَبِغَيْرِ نَوْعِهَا وَلَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ حَيْثُ حَصَلَتْ الْمُنَاجَزَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي إعَادَةِ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ أَبَدًا، وَقِيلَ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ لَا إعَادَةَ، وَالْقَوْلُ بِالْأَبَدِيَّةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ بِالْحَرَامِ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَعَصَى وَصَحَّتْ إنْ لَبِسَ حَرِيرًا أَوْ ذَهَبَا أَوْ سَرَقَ أَوْ نَظَرَ مُحَرَّمًا، وَمَنْ حَضَرَتْهُ صَلَاةٌ وَآلَةُ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ النَّقْدِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ الْمَاءَ بِهَا بَلْ يَتْرُكُهَا وَيَتَيَمَّمُ لِحُرْمَةِ الْوُضُوءِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَأَمَّا الْمُغَشَّى وَالْمُمَوَّهُ وَالْمُضَبَّبُ وَذُو الْحَلْقَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْجَوَازِ فِي الْمُغَشَّى وَالْمُمَوَّهِ، وَبِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ فِي الْمُضَبَّبِ، وَذِي الْحَلَقَةِ، وَالرَّاجِحُ فِي الْمُغَشَّى الْمَنْعُ وَكِلَاهُمَا رُجِّحَ فِي الْمُمَوَّهِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلْقَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ نَحْوِ الْيَاقُوتِ وَالْجَوْهَرِ فَفِيهَا تَرَدُّدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، أَمَّا أَوَانِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا كَأَوَانِي الْخَشَبِ وَالْفَخَّارِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَ هَذَا الْمَحِلِّ.

(وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ) أَوْ بِالْأَكْلِ حَالَةَ كَوْنِ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ (قَائِمًا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِبَ قَائِمًا، وَكَذَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَقِيلَ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ فَلَا بَأْسَ لِلْإِبَاحَةِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ قِيَامٍ فَضَعِيفٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْ قِيَامٍ فَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الشُّرْبِ حَالَ الْمَشْيِ.

(وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَجُوزُ (لِمَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ) بِالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا وَالْمُثَلَّثَةِ. (أَوْ الثُّومَ) بِالْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ. (أَوْ الْبَصَلَ) حَالَةَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (نِيئًا) بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ أَيْ مَطْبُوخٌ (أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ) أَيْ كُلَّ مَسْجِدٍ وَلَوْ خَالِيًا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَاجِيُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>