للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا

وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ

وَنُهِيَ عَنْ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءِ

ــ

[الفواكه الدواني]

يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» .

وَقَالَ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» فَأَلْ فِي الْمَسْجِدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَتَنَاوَلُ غَيْرَ مَسْجِدِ الْخُطْبَةِ، وَيَتَنَاوَلُ مُصَلَّى الْعِيدِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَجَالِسُ الْعِلْمِ، وَحِلَقُ الذِّكْرِ، وَمَجْمَعُ الْوَلَائِمِ الْمَطْلُوبُ الِاجْتِمَاعُ فِيهَا، وَأُلْحِقَ بِالْمَذْكُورَاتِ الْفُجْلُ وَمَنْ بِفَمِهِ نَحْرٌ أَوْ بِجَسَدِهِ جُرْحٌ مُنْتِنٌ، وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حُضُورُ مَجَالِسِ الْجَمَاعَاتِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنْ لَا يَنْبَغِيَ بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ خَلِيلٍ حَيْثُ جَعَلَ أَكْلَ كَالثُّومِ أَوْ الْبَصَلِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ مَكْرُوهًا لِمَنْ أَكَلَهَا لِمَا جَازَ لَهُ التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ لَا يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِمَكْرُوهٍ، وَعِنْدَ ابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ نِيئًا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْمَطْبُوخَ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُخَلَّلُ لَا يُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ أَوْ الثُّومَ نِيئًا أَنْ يَدْخُلَ نَحْوَ السُّوقِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصَ مُرُوءَةٍ.

(وَيُكْرَهُ) لِمَنْ شَرَعَ فِي الْأَكْلِ عَلَى جِهَةِ التَّنْزِيهِ (أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا) بِأَنْ يَأْكُلَ مَائِلًا عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ مُتَرَبِّعًا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْلِسَ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنَّهُ كَانَ يَضَعُ إحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِحْدَى سَاقَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ وَيَأْكُلُ وَيَقُولُ: «أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، وَآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ إمَّا فِعْلُ الْأَعَاجِمِ وَالْجَبَابِرَةِ أَوْ يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ الْأَكْلِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ: إنِّي لَأَتَّقِيهِ وَأَكْرَهُهُ، وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَالسُّنَّةُ الْأَكْلُ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةٍ يَطْمَئِنُّ عَلَيْهَا، وَلَا يَأْكُلُ مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ، وَلَا مُتَّكِئًا عَلَى ظَهْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ التَّوَاضُعِ، وَوَقْتُ الْأَكْلِ وَقْتُ تَوَاضُعٍ وَشُكْرٍ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ.

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (الْأَكْلُ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ) بِالْمُثَلَّثَةِ الْخُبْزُ الْمَفْتُوتُ فِي نَحْوِ الْقَصْعَةِ لِمَا وَرَدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ: كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَلَى وَسَطِهَا وَتَحِلُّ فِي جَوَانِبِهَا» .

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّفْحَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَمِثْلُ الثَّرِيدِ سَائِرُ الطَّعَامِ حَتَّى الرَّغِيفُ لَا يَأْكُلُ مِنْ وَسَطِهِ، بَلْ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَكَلَ مِنْ طَرَفِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ قَسَمَهُ أَجْزَاءً يَجْعَلُ فِي كُلِّ حَاشِيَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ، وَيَقْسِمُهُ بِيَدِهِ وَلَا يَقْسِمُهُ بِنَحْوِ الْخِنْجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعْجَامِ، وَالسُّنَّةُ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ، وَالسُّنَّةُ فِي أَكْلِهِ النَّهْشُ وَهُوَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» .

وَقَالَ: «سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ، وَسَيِّدُ شَرَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمَاءُ» .

(وَنَهَى) الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (عَنْ الْقِرَانِ فِي) أَكْلِ (التَّمْرِ) حَتَّى يَسْتَأْذِنَ مَرِيدُ الْقِرَانِ أَصْحَابَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى الْقِرَانِ جَمْعُ التَّمْرَتَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، بَلْ الْأَدَبُ أَكْلُ كُلِّ تَمْرَةٍ وَحْدَهَا، ثُمَّ بَيْنَ حَمْلِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ: (وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ) النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ (مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ) أَيْ التَّمْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَنَهَى إلَخْ، وَلِذَا قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَتَبِعَهُ الشَّاذِلِيُّ وَالْقِيلُ تَفْسِيرٌ لِلْعُمُومِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ عَقِبَ كَلَامِهِمَا: فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي حَكَى الْمَشْهُورَ فِيهَا بِقِيلٍ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَانِ إذَا كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ شُرَكَاءَ فِي التَّمْرِ إمَّا بِمِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ بِتَقْدِيمٍ مِنْ الْغَيْرِ لَهُمْ وَاسْتَوَوْا فِي الشَّرِكَةِ، فَلَا يَأْخُذُ وَاحِدٌ تَمْرَتَيْنِ فِي مَرَّةٍ إلَّا بَعْدَ إذْنِ أَصْحَابِهِ لِيُسَاوُوهُ، وَلَا يَسْتَبِدُّ بِالزِّيَادَةِ دُونَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ لِلْأَدَبِ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ نَهْيَ كَرَامَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ لِلْحُرْمَةِ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِي التَّمْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ نَحْوُ التِّينِ وَالزَّبِيبِ، وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْرِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا خَصَّ التَّمْرَ لِأَنَّهُ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهِمْ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا أَدْخَلْنَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الطَّعَامَ الْمُقَدَّمَ لَهُمْ مِنْ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ الْمُقَدَّمَ لِلضُّيُوفِ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ التَّقْدِيمِ، وَمُقَابِلُهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْأَكْلِ، وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ، وَعَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ الضُّيُوفِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا شَيْئًا مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِهِ بِالدُّخُولِ وَالتَّقْدِيمِ.

الثَّانِي: الطَّعَامُ الْمَصْنُوعُ بِالْقَهْرِ عَلَى صَاحِبِهِ كَالْمَصْنُوعِ لِلظَّلَمَةِ وَالْمُحَارِبِينَ، وَمِنْهُ الْوَجْبَةُ الْمَعْرُوفَةُ لِلْفَلَّاحِينَ هَلْ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِهِ؟ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ مِنْهُ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَيَجُوزُ لِلْغَيْرِ الْأَكْلُ مِنْهُ، هَكَذَا قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>