للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَعَ أَهْلِك أَوْ مَعَ قَوْمٍ تَكُونُ أَنْتَ أَطْعَمْتهمْ

وَلَا بَأْسَ فِي التَّمْرِ وَشِبْهِهِ أَنْ تَجُولَ يَدُك فِي الْإِنَاءِ لِتَأْكُلَ مَا تُرِيدُ مِنْهُ

وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ مِنْ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا أَذًى وَلْيَغْسِلْ يَدَهُ وَفَاهُ بَعْدَ الطَّعَامِ مِنْ الْغَمْرِ

وَلْيُمَضْمِضْ فَاهُ مِنْ اللَّبَنِ وَكُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَطَانِيّ وَكَذَلِكَ بِالنُّخَالَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ

وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ

وَأَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ

وَقَدْ

ــ

[الفواكه الدواني]

بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْمُقَدَّمِ لِلضَّيْفِ. وَلِي فِيهِ بَحْثٌ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، إذْ مَا تَقَدَّمَ يَسْمَحُ بِهِ مَالِكُهُ لِلضَّيْفِ غَالِبًا بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، فَيَقْوَى جَانِبُ التَّمْلِيكِ وَالْمَصْنُوعُ لِلظَّلَمَةِ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ مَالِكِهِ إذَا كَانَ يُؤْكَلُ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا لَوْ غَيَّرَهُ الظَّالِمُ كَخَرُوفٍ ذَبَحَهُ وَطَبَخَهُ فَهَذَا يَمْلِكُهُ الظَّالِمُ بِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ، فَيَجُوزُ لِلْغَيْرِ الْأَكْلُ مِنْهُ، قِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ عَلِمَ مُرِيدُ الْأَكْلِ أَنَّ الظَّالِمَ يَدْفَعُ قِيمَتَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ، هَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي أَخْذًا، مِنْ كَلَامِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ الْقِرَانِ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْآكِلِينَ ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِمُرِيدِ الْقِرَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْقِرَانِ (مَعَ أَهْلِك) كَزَوْجَتِك أَوْ أَوْلَادِك اللَّازِمِ لَك نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَك وَلَا يَلْزَمُك التَّأَدُّبُ مَعَهُمْ وَإِنْ لَزِمَهُمْ لَك. (أَوْ) أَيْ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِهِ (مَعَ قَوْمٍ تَكُونُ أَنْتَ أَطْعَمْتَهُمْ) عَلَى وَجْهِ الضِّيَافَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ، وَأَمَّا عَلَى مِلْكِهِمْ بِالتَّقْدِيمِ أَوْ بِالدُّخُولِ فَيُنْهَى عَنْهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ.

وَلَمَّا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ الشَّخْصُ مِمَّا يَلِيهِ إذَا أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ فِي) حَالِ أَكْلِك مِنْ (التَّمْرِ وَشِبْهِهِ) مِنْ سَائِرِ الْفَوَاكِهِ (أَنْ تَجُولَ يَدُك فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي تَأْكُلُ أَنْتَ وَغَيْرُك مِنْهُ تَمْرًا أَوْ شِبْهَهُ فَتُرْسِلَ يَدَك فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا. (فَتَأْكُلُ مَا تُرِيدُ مِنْهُ) لِاخْتِلَافِ أَفْرَادِ التَّمْرِ وَشِبْهِهِ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْأَطْعِمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ نَحْوَ عَدَسٍ وَيَخْنَى وَأَرُزٍّ فَتَأْكُلُ مِمَّا تُرِيدُهُ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَإِذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك أَكَلْت مِمَّا يَلِيك، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: «أَنَّ عِكْرَاشًا أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَرِيدًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَتَى بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَعَلْت آكُلُ بَيْنَ يَدِي وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت لِأَنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» .

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ غَسْلُ الْيَدِ بَعْدَ الْأَكْلِ مِنْ الْغَمَرِ، بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ غَسْلُهَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ) أَكْلِ (الطَّعَامِ مِنْ السُّنَّةِ) بَلْ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَإِنْ وَرَدَ حَدِيثٌ بِغَسْلِهَا قَبْلَ الطَّعَامِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَقُولُ: قَدْ تَقَرَّرَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْمَسْأَلَةُ هُنَا مِنْ الْعَمَلِ، فَلَعَلَّ الْأَوْلَى الْغَسْلُ قَبْلَ الطَّعَامِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَبَعْدَهُ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْفِي اللَّمَمَ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ الْغَسْلَ الْيَوْمَ قَبْلَ الْأَكْلِ مِنْ شَعَائِرِ الْأَكَابِرِ وَمَا كُلُّ بِدْعَةٍ مَذْمُومَةٌ وَمَحِلُّ النِّزَاعِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) قَدْ حَلَّ (بِهَا أَذًى) أَيْ قَذَرٌ وَلَوْ طَاهِرًا فَإِنَّهُ يُطْلَبُ غَسْلُهُ وُجُوبًا إنْ كَانَ نَجِسًا وَنَدْبًا إنْ كَانَ طَاهِرًا، وَرُبَّمَا يَجِبُ إنْ كَانَ عَدَمَ الْغَسْلِ يُؤْذِي غَيْرَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ يَمْتَخِطُ بِيَمِينِهِ وَأَرَادَ الْأَكْلَ بِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْلِ مَعَ غَيْرِهِ غَسْلُهَا هَكَذَا يَنْبَغِي، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّعَامِ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا حَارًّا أَوْ بَارِدًا لِامْتِهَانِ الطَّعَامِ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ بِالْيَدِ الْقَذِرَةِ.

(تَنْبِيهٌ) الِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ مِنْ الْأَذَى إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ، وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ نَاجِي اتِّصَالُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ مِنْ الْأَذَى إنَّمَا جَاءَ بِالسُّنَّةِ أَيْ عُلِمَ مِنْ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ نَاسَبَ ذِكْرَ مَفْهُومٍ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَغْسِلْ) نَدْبًا (يَدَهُ وَفَاهُ بَعْدَ الطَّعَامِ مِنْ الْغَمَرِ) وَيُقَالُ لَهُ الْوَدَكُ.

(وَلْيُمَضْمِضْ فَاهُ مِنْ اللَّبَنِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ، وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ لَوْلَا زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْيَدِ مِنْ الْغَمْرِ جَوَازُ غَسْلِهَا بِكُلِّ مُزِيلٍ لَهُ قَالَ: (وَكُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ) كَالدَّقِيقِ (أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَطَانِيِّ) كَدِقَاقِ التُّرْمُسِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ (وَكَذَلِكَ) أَيْ يُكْرَهُ الْغَسْلُ (بِالنُّخَالَةِ) الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ الْقَمْحِ، وَأَمَّا نُخَالَةُ الشَّعِيرِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْغَسْلِ بِهَا. وَلَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا قَالَ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الطَّعَامِ وَمَا بَعْدَهُ بِالْجَوَازِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَثِيرًا مَا كَانُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ بِأَقْدَامِهِمْ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَالْأَوْسَاخِ، وَبِالْكَرَاهَةِ لِإِهَانَةِ الطَّعَامِ وَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ. وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ الْكَرَاهَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَنِ الرَّخَاءِ وَالْغَلَاءِ، وَمُقَابِلُ الْكَرَاهَةِ الْإِبَاحَةُ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجُلُبَّانِ وَالْفُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِهِ وَيُتَدَلَّكَ بِهِ فِي الْحَمَّامِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا صُدِّرَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (وَلْتُجِبْ) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ عَلَى جِهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>