للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ فَلَا تَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك وَإِلَّا رَجَعْت

وَيُرَغَّبُ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ، فَإِنْ تَحَقَّقْت أَنَّهُمْ قَالُوا: سَامٌ عَلَيْك أَوْ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ، فَإِنْ شِئْت قُلْت: وَعَلَيْك بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ لَنَا فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا، فَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ ذَلِكَ قُلْت: وَعَلَيْك بِالْوَاوِ لِأَنَّك إنْ قُلْت عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ وَقَدْ كَانَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك كُنْت قَدْ نَفَيْت السَّلَامَ عَنْ نَفْسِك وَرَدَدْته عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنْ إفْشَاءَ السَّلَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يُنْهَ عَنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الطَّرِيقِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: «قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ، وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِغَاثَةُ الْمَظْلُومِ، وَإِحْسَانُ الْكَلَامِ» .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَحْثِ السَّلَامِ شَرَعَ فِي بَحْثِ الِاسْتِئْذَانِ، فَقَالَ: (وَالِاسْتِئْذَانُ) وَهُوَ طَلَبُ الْإِذْنِ بِدُخُولِ غَيْرِ بَيْتِهِ (وَاجِبٌ) عَلَى مُرِيدِ الدُّخُولِ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: ٥٩] وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: ٢٧] قَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِئْنَاسُ الِاسْتِئْذَانُ، وَالسُّنَّةُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ، قَالَ: اسْتَأْذِنْهَا، قَالَ: إنِّي خَادِمُهَا، قَالَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَحِكْمَةُ فَرْضِيَّتِهِ خِيفَةُ كَوْنِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الِانْبِسَاطِ يَكْرَهُونَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِمْ. (وَ) إذَا عَرَفْت أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ فَرْضٌ فَوَاجِبٌ عَلَيْك أَنْ (لَا تَدْخُلَ بَيْتًا) غَيْرَ بَيْتِكَ (فِيهِ أَحَدٌ) وَلَوْ مَحْرَمًا لَك (حَتَّى تَسْتَأْذِنَ) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك) فِي الدُّخُولِ دَخَلْت (وَإِلَّا رَجَعْت) وَلَا يَجُوزُ لَك الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَإِلَّا كُنْت عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُطْلَبُ الْإِذْنُ مِنْ كُلِّ مَنْ فِي الْبَيْتِ إلَّا الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ إلَى وَصْفِ الْعَوْرَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَعْمَى هَلْ يُطَالَبُ بِهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَتَسْتَأْذِنُ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ الْمُلَازِمُونَ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْقَاتٍ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.

وَأَمَرَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ لَا يَدْخُلَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْمَحِلِّ وَلَا الْأَطْفَالُ عَلَى أَهْلِيهِمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَمَا عَدَاهَا لَا حَرَجَ فِي دُخُولِهِمْ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ السَّمَاعِ ثُمَّ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّمَاعُ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلَّا انْصَرَفَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَيْتًا عَنْ نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَالْفُنْدُقِ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ مَطْرُوقٍ، كَبَيْتِ الْعَالِمِ وَالْقَاضِي وَالطَّبِيبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي أَوْقَاتِ الدُّخُولِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إذْنٍ، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِالِاسْتِئْذَانِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ نَحْوِ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَهُوَ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ اسْمَهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ، بِخِلَافِ التَّنَحْنُحِ أَوْ قَرْعِ الْبَابِ ثَلَاثًا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مَغْلُوقًا فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ بِالْكَلَامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَأْذَنُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ حَتَّى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ بِالسَّلَامِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ هَذَا؟ فَلْيُسَمِّ نَفْسَهُ بِاسْمِهِ وَبِمَا يُعْرَفُ بِهِ وَلَا يَقُولُ: أَنَا لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَرِهَهَا مِمَّنْ أَجَابَهُ بِأَنَا حَتَّى خَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا أَنَا، وَلِأَنَّ بِهَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا غَيْرَ بَيْتِك تَبَعًا لِلْآيَةِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَأَمَّا دُخُولُ الْمُكَلَّفِ بَيْتَ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلْ فِيهِ إنْ كَانَ مَعَ أَهْلِهِ مَنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا مَنْ يَحِلُّ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ التَّنْبِيهُ بِالتَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ فِي حَالِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ خَوْفَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ السَّلَفُ، وَيَكْتَفِي فِي الْإِذْنِ حَيْثُ طَلَبَ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا بِإِذْنِ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ حَيْثُ يُوثَقُ بِإِذْنِهِ لِضَرُورَةِ النَّاسِ.

وَلَمَّا كَانَتْ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ مُشَارِكَةً لِمَا قَبْلَهَا فِي الطَّلَبِ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا، فَقَالَ: (وَيُرَغَّبُ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ وَإِلَّا وَجَبَتْ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ، إلَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عِيَادَتُهُ عَلَيْهِ عَيْنًا، وَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ لِعِيَادَتِهِ لَا يَدْخُلُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَلَوْ كَانَتْ عِيَادَتُهُ مُرَغَّبًا فِيهَا لِمَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مِنْهَا: «مِنْ عَادَ مَرِيضًا خَاضَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَقَرَّ فِيهَا، وَمَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ عَادَ مَرِيضًا أَبْعَدَهُ اللَّهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ وَأَنْ يُخَفِّفَ فِي جُلُوسِهِ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَحِم اللَّهُ عَبْدًا زَارَ فَخَفَّفَ» اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الْجُلُوسُ وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَيُبَشِّرَهُ بِحُصُولِ صِحَّةٍ لَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزِّيَارَةَ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>