للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتْنَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ رَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إنْ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ

وَيُكْرَهُ الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ خَيَّاطَةٍ وَنَحْوِهَا

ــ

[الفواكه الدواني]

فَاجِرٍ، وَالْبَرُّ الْمُحْسِنُ الْمُطِيعُ وَالْفَاجِرُ ضِدُّهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاجِرَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ لِعِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ فَكُلُّهُمْ أَبْرَارٌ

(وَ) أَعُوذُ (بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ) وَمَعْنَى الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِيجَادُ مِنْ الْعَدَمِ.

قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: ٢٩] وَقَالَ تَعَالَى: {ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: ٧٩] وَقَالَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة: ٥٤] أَيْ خَالِقُكُمْ، فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اتِّحَادِ مَعْنَاهَا، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْلَمُ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَاخْتُلِفَ فِي عِدَّتِهَا فَقِيلَ أَلْفُ اسْمٍ وَوَصْفُهَا بِالْحُسْنَى بَيَانٌ لِوَصْفِهَا اللَّازِمِ فَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ. (وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ) مِنْ الصَّوَاعِقِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ. (وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا) أَيْ يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَهُوَ الْأَعْمَالُ الْقَبِيحَةُ.

(وَ) أَعُوذُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى (مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ (وَمِنْ) شَرِّ (فِتْنَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) الْمُرَادُ مَا يَحْصُلُ فِيهِمَا مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْإِنْسَانِ.

(وَ) أَعُوذُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى (مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ) وَالطَّارِقُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَغْتَةً، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ طَوَارِقِ النَّهَارِ، فَيَكُونُ زِيَادَتُهَا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِطَوَارِقِ اللَّيْلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّارِقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّيْلِ كَمَا قِيلَ، وَعَلَى ثُبُوتِهَا لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى الْمُشَاكَلَةِ. (وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ) التَّعَوُّذُ (أَيْضًا) زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: (وَ) أَعُوذُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى (مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ رَبِّي) أَيْ خَالِقِي وَمَالِكِي (آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) وَهِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِلْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُقْهَرُ وَيُغْلَبُ يُمْسَكُ بِنَاصِيَتِهِ، فَالْمُرَادُ بِأَخْذِ الرَّبِّ لَهَا قَهْرُهُ وَغَلَبَتُهُ عَلَيْهَا لِاسْتِحَالَةِ الْأَخْذِ الْحِسِّيِّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى. (إنَّ رَبِّي) أَيْ أَمْرَهُ أَوْ رَسُولَهُ (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أَيْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ وَالْعَادِلُ لَا يَضَعُ الشَّيْءَ إلَّا فِي مَحِلِّهِ، وَهَذَا التَّعَوُّذُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَفْظُ حَدِيثٍ: «عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ تَبِعَهُ عِفْرِيتٌ مِنْ الْجِنِّ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، وَكُلَّمَا يَلْتَفِتُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرَاهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ تُطْفِئُ شُعْلَتَهُ وَيَخِرُّ عَلَى فِيهِ؟ فَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: بَلَى، فَقَالَ جِبْرِيلُ قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ» إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَنِي يَهُودُ حِمَارًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَوُّذَ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ يُخَافُ مِنْهُ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ) أَوْ حَانُوتَهُ أَوْ بُسْتَانَه (أَنْ يَقُولَ) بَعْدَ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى النَّدْبِ فِي الثَّانِي. (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) فَإِنَّ قَوْلَهَا حِرْزٌ لِمَنْزِلِ قَائِلهَا الَّذِي قَالَهَا فِيهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «مَنْ قَالَ أَرْبَعًا يَحْصُلُ لَهُ الْأَمْنُ مِنْ أَرْبَعٍ» : إحْدَاهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَثَانِيهَا مَنْ قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ أَمِنَ مِنْ كَيْدِ النَّاسِ، ثَالِثُهَا مَنْ قَالَ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَكِيدَةَ النَّاسِ، رَابِعُهَا مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ أَمِنَ مِنْ الْغَمِّ. وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا: «أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ أَوْ سَقَمٌ أَوْ شِدَّةٌ فَقَالَ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لَا شَرِيكَ لَهُ كَشَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ» وَبِالْجُمْلَةِ فَالدُّعَاءُ مَطْلُوبٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ.

قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:

وَعِنْدَنَا أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ ... كَمَا مِنْ الْقُرْآنِ وَعْدًا يُسْمَعُ

وَحَقِيقَتُهُ رَفْعُ الْحَاجَاتِ إلَى كَاشِفِ الْكُرُبَاتِ وَدَافِعِ الْبَلِيَّاتِ يَنْفَعُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتِ، وَالدُّعَاءُ يُوصِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْكَافِرِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا» .

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ» «وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَتَعَالَجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْ يَتَصَارَعَانِ وَيَتَدَافَعَانِ» . وَاعْلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>