للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسالته، ويزنوا- على مهل- ما لديهم، وما جاء به، لما عابهم على هذا عاقل.

ولكنّهم نفروا من الإسلام نفور المذنب من ساحة القضاء بعد ما انكشفت جريمته، وثبتت إدانته.

وقد حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الإعراض المقرون بالتكذيب والتحدّي، ومن حقّ كل رجل صدوق نبيل أن يأسف ويألم إذا ألفى نفسه مكذبا مهجورا.

إلا أنّ الله واساه، فأبان له بواطن أولئك المكاذبين المتألّبين:

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) [الأنعام] .

إنّ المعتوه إذا اعترض طريقك، ووقع في عرضك بلسان حادّ، سمعت من يقول لك: هذا لا يقصد العدوان عليك، ولكنه يستجيب لنوازع الجنون في دمه، وكذلك أولئك المشركون، إن فظاظتهم وإنكارهم تمشّ مع دواعي الجحود في طباعهم، قبل أن تكون انتقاصا للرجل الذي يحدّثهم، أو طعنا في خلقه: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: ٣٣] .

ومن ثمّ فعلى محمد صلى الله عليه وسلم أن يمضي في سبيل البلاغ، وأن يجتاز ما يلقى أمامه من صعاب وعقاب، وعلى المؤمنين برسالته أن يثبتوا، وليس ثباتهم لمصلحتهم الخاصة فقط، ولا حق الإيمان عليهم وكفى، بل هو لمصلحة الأجيال المقبلة.

إن البنيان الشامخ الذّرى لا يرتكز على سطح الأرض، وإنما يرتكز على دعائم غائرة في الثرى، وهي التي تحمل ثقله وترفع عمده، وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأول- بصلابة يقينهم، وروعة استمساكهم- دعائم رسالته، وأصول امتدادها من بعد، في المشارق والمغارب.

<<  <   >  >>