وتمتاز بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها عامة ودائمة.
والله عز وجلّ كان يستطيع أن يبعث في كلّ قرية نذيرا، ولكلّ عصر مرشدا، وإذا كانت القرى لا تستغني عن النّذر، والأعصار لا تستغني عن المرشدين، فلم استعيض عن ذلك كله برجل فذ؟.
الحقّ أن هذا الاكتفاء أشبه بالإيجاز الذي يحصّل المعنى الكثير في اللفظ اليسير؛ وبعثة محمد عليه الصلاة والسلام كانت عوضا كاملا عن إرسال جيش من النبيين يتوزّع على الأعصار والأمصار، بل إنها سدّت مسدّ إرسال ملك كريم إلى كل إنسان تدبّ على الأرض قدماه، ما بقيت على الأرض حياة، وما تطلعت عين إلى الهدى والنجاة، ولكن كيف ذلك؟!.
في المزالق المتلفة قد يقول لك ناصح أمين: أغمض عينيك واتبعني، أو لا تسلني عن شيء يستثيرك، وربما تكون السلامة في طاعته؛ فأنت تمشي وراءه حتى تبلغ مأمنك، إنه في هذه الحال رائدك المعين، الذي يفكر لك، وينظر لك، ويأخذ بيدك؛ فإن هلك هلكت معه.
أمّا لو جاءك من أول الأمر رجل رشيد فرسم خطّ السير، وحذّرك مواطن الخطر، وشرح لك في إفاضة ما يطوي لك المراحل ويهوّن المتاعب، وسار معك قليلا ليدرّبك على العمل بما علمت؛ فأنت في هذه الحال رائد نفسك، تستطيع الاستغناء بتفكيرك وبصرك عن غيرك.
إن الوضع الأوّل أليق بالأطفال والسّذّج، وأما الوضع الأخير فهو المفروض عند معاملة الرجال وأولي الرأي من الناس.
والله عز وجلّ عند ما بعث محمدا عليه الصلاة والسلام لهداية العالم، ضمّن رسالته الأصول التي تفتّق للألباب منافذ المعرفة بما كان ويكون.
والقران الذي أنزله على قلبه هو كتاب من ربّ العالمين إلى كلّ حيّ، ليوجهه إلى الخير ويلهمه الرشد.