أعراب البادية الذين يسيحون في عرض الصحراء، كالإبل السائمة، لا يعقلون شيئا، فإذا لاح مغنم طاروا وراءه، وقلّما يلفتهم حديث الإيمان بالله واليوم الاخر.
وبنو إسرائيل الذين ظنوا النبوة حكرا عليهم، فهم لا يفتؤون يجبّهون المسلمين، ويكذّبون محمدا صلى الله عليه وسلم ويجحدون رسالته، وقد أغرتهم القشور التي ورثوها من التوراة، فجادلوا المسلمين جدالا طويلا، وحرصوا أشد الحرص ألّا يعترفوا بهم، ثم ذهبوا إلى حدّ التأليب عليهم كما رأيت، فكانت سيرتهم مزيجا غريبا من الحقد والكبر والدّس، ومع ما ألهب جلودهم من سياط كاوية في صراعهم مع المسلمين، فإنّهم لم يتحولوا عن خطتهم المريبة قيد أنملة.
وجمعت عداوة الإسلام بين الأعراب البله، وأهل الكتاب اليهود، وعند ما فشلت الأحزاب في اقتحام يثرب، وجنت قريظة عقبى غدرها، لم يهدأ يهود خيبر، أو يحاولوا إصلاح شؤونهم مع المسلمين، كلا إنّهم شرعوا يصلون حبالهم بغطفان والأعراب الضاربين حولهم، ليؤلفوا ضدّ الإسلام جبهة أخرى تكيد من جديد لمحمّد صلى الله عليه وسلم وصحبه. لكنّ المسلمين كانوا أيقاظا لهذه المؤامرات، فما إن عادوا من عمرة الحديبية اخر السنة السادسة، حتى توجّهوا في المحرم من السنة السابعة إلى خيبر لكسر شوكة بني إسرائيل بها.
ولم يفت المسلمين قبل مسيرهم أن يفصموا الجبهة المؤلّفة ضدّهم من يهود وغطفان، فأوهموا غطفان أنّ الهجوم متجه إليهم، وأنّ قوة المسلمين توشك أن تلتفّ بهم، قال ابن إسحاق: بلغني أنّ غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعت له، ثم خرجوا ليظاهروا يهودا عليه، حتى إذا ساروا مرحلة