للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ورقة بن نوفل]

إنّ محمدا صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، لكنّ الوجود لا يعرف تفاوتا بين أفراد جنس واحد كما يعرف ذلك في جنس الإنسان، إن بعضهم أرقى من الأفلاك الزاهرة! وبعضهم الاخر لا يساوي بعرة ... وإن كان الكلّ بشرا!!.

وذاك التفاوت واقع بين من لم يؤيّدوا بوحي، فكيف إذا اصطفي إنسان ما، وزيدت أطوار كماله المعتاد طورا اخر، تومض فيه أشعة التسديد والتوفيق والإرشاد والإمداد؟!.

إنّ الوحي روح يفد على المختارين بحياة جديدة، وهمّة جديدة، ورسالة جديدة:

يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) [النحل] .

إن الجنين بعد نفخ الروح فيه ينشئه الله خلقا اخر، يغاير الأطوار الستة الأولى التي مرّ بها، سلالة الطين، فالنطفة، فالعلقة، فالمضغة، فالعظام، فالجسم المكسوّ باللحم..

والأنبياء بعد اتّصال الوحي بهم، وسريان روحه الجديدة في أرواحهم، يتحوّلون بشرا اخرين، لا يدانيهم غيرهم أبدا في مجادة وإشراق.

وهذا التغيّر الملحوظ سرّ تذكير الله لمحمد عليه الصلاة والسلام بالقدرة التي خلقت الإنسان من علق، إنّ القدرة التي خلقت هذا الإنسان العجيب من علقة طفيلية، هي التي ستنساق بنعمة الله إلى جعل محمد صلى الله عليه وسلم بشرا رسولا، يقرأ بعد ما كان أمّيا.

وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الشورى] .

<<  <   >  >>