في هذه الفترة الخصيبة الرحبة من عمر الإنسان كان رونق العفاف والشرف يتألّق في جبينه حيث سار.
ولو أنّه أحب التزوّج بأخرى ما عاقه مانع من شرع أو عقل أو عادة، فإنّ التعدد كان مألوفا بين العرب، معروفا في ديانة أبي الأنبياء إبراهيم، إلا أنّه ظل مكتفيا بمن استراح إليها واطمأنّ بصحبتها، ولو أنّها طعنت في السن، وبقي هو في كمال قوته وتمام رجولته، ولهذا المسلك دلالته القاطعة.
فلما انتقلت السيدة خديجة رضي الله عنها وأحبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوج، لم يكن البحث عن الجمال في مظانه هو الباعث له على تخيّر شريكته في حياته أو شريكاته، ولو قد فعل ذلك ما تعرّض للوم.
بيد أنّ الباعث الأول كان الارتباط بالرجال الذين ازروه في دعوته وعاونوه في رسالته.
[[عائشة وحفصة وأم سلمة وسودة رضي الله عنهن] :]
فاختار عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما على صغر سنها، واختار حفصة بنت عمر رضي الله عنهما على قلة وسامتها.
ثم اختار أمّ سلمة رضي الله عنها أرملة قائده الذي استشهد في سبيل الله، وعانت معه امرأته ما عانت في الهجرة إلى الحبشة وفي الهجرة إلى المدينة.
ومن قبل هؤلاء كانت معه سودة رضي الله عنها وهي امرأة نزلت عن حظها من الرجال لكبرها وعزوفها.
والعيشة مع أولئك الأربع لا تقوم على متاع ملحوظ ودنيا سارة.
ولو قد قامت على ذلك ما كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حرج، فلأي مؤمن أن يستمتاع بأربع نسوة، وتحقيق العدل متيقن في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قد تقول: لكن الرسول صلى الله عليه وسلم مات عن تسع نسوة فكيف وقع هذا، ولم نال ما لم ينل غيره؟!.
أليس هذا فتحا لباب التشهّي، وإجابة لدواعي الملذة؟.
ونقول: أين مكان المتعة في حياة رجل لم يسترح يوما من عناء الكفاح الموصول والجهاد المضني؟.
إن حملة الرسالات الإنسانية المحدودة تعييهم هموم العيش ومشكلات