للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي معه، وإنقاذ سمعة المسلمين في أول معركة لهم مع الدولة الكبرى.

والعجيب أنّ الرومان أعياهم هذا القتال، وأصيبوا فيه بخسائر كبيرة؛ بل إنّ بعض فرقهم انكشف، وولّى مهزوما. واكتفى خالد بهذه النتيجة، واثر الانصراف بمن معه.

عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيه خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب- وعيناه تذرفان- قال: ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم» «١» .

وروى ابن إسحاق «٢» ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رفعوا إلى الجنة- فيما يرى النائم- على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه، فقلت: ممّ هذا؟ فقيل لي: مضيا، وتردّد عبد الله بعض التردد، ثم مضى» .

[[التربية الجهادية للمجتمع المسلم] :]

والدلالة التي تعلو على الريب في هذه المعركة أن شجاعة المسلمين وبسالتهم بلغتا حدّا لم تعرفه أمة معاصرة، وقد أكسبهم هذا الروح العالي إقداما حقّر أمامهم كبرياء الأمم التي عاشت مع التاريخ دهرا تصول وتجول لا يقفها شيء.

إن الاستهتار بالخطر والطيران إلى الموت ليسا فروسية احتكرها الرجال المقاتلون واحدهم، بل هي قوة غامرة قاهرة، تعدّت الرجال إلى الأطفال، فأصبحت الأمة كلها أمة كفاح غال عزيز، وحسبك أن جيش (مؤتة) لما عاد إلى المدينة قابله الصبية بصيحات الاستنكار يقولون: يا فرّار!، فررتم في سبيل الله؟

إنّ أولئك الصغار الأغرار يرون انسحاب خالد ومن معه فرارا، يقابل بحثو التراب. أيّ جيل قويّ نابه هذا الجيل الذي صنعه الإيمان بالحق؟! أيّ نجاح بلغته رسالة الإسلام في صياغة أولئك الأطفال العظام؟ من اباؤهم؟ من أمهاتهم؟

كيف كان الاباء يربون؟ وكيف كانت الأمهات يدللن؟.


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٤١٣، وغيره.
(٢) رواه بلاغا كما في سيرة ابن هشام: ١/ ٢٥٨- ٢٥٩، وغيرها، فهو ضعيف الإسناد.

<<  <   >  >>