للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قيادة تهوي إليها الأفئدة]

عن عبد الله بن سلام قال: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلمّا تأملت وجهه، واستثبتّه علمت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب! قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: «أيّها الناس! أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلّوا بالليل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» «١» .

إنّ أضواء الباطن تنضح على الوجه، فتقرأ في أساريره ايات الطّهر، وقد ذهب عبد الله يستطلع أخبار هذا الزعيم المهاجر، فنظر إليه يحاول استكشاف حقيقته، فكان أوّل ما اطمأنّ إليه بعد التثبّت من أحواله أنّ هذا ليس بكاذب، والملامح العقلية والخلقية لشخص ما لا تعرف بنظرة خاطفة، ولكنّ الطابع المادي الذي يضفي على الروح الكبير كثيرا ما يكون عنوانا صادقا على ما وراءه.

على أنّ الذين عاشروا محمدا صلى الله عليه وسلم أحبّوه إلى حد الهيام، وما يبالغون أن تندقّ أعناقهم ولا يخدش له ظفر.

وما أحبّوه كذلك إلا لأنّ أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر.

كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحبّ له، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه، يعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما غيّر لونك؟» فقال: يا رسول الله! ما بي مرض ولا وجع؛ غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم إنّي إذا ذكرت الاخرة أخاف ألا أراك؛ لأنّك ترفع إلى عليين مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة


(١) حديث صحيح، أخرجه الترمذي: ٣/ ٣١٣؛ وابن ماجه: ١/ ٤٠٠- ٤٠١؛ والحاكم: ٣/ ١٣؛ وأحمد: ٤/ ٤٥١؛ وقال الترمذي: «حديث صحيح» ، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

<<  <   >  >>