للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[طليعة الوفود]

استغرق المسير إلى تبوك والماب منها أياما طوالا، فقد خرج المسلمون إليها في رجب، وعادوا في رمضان، ليؤدّوا ما عليهم من فريضة الصيام، ولم يلبثوا طويلا حتى جاءت البشريات بأنّ وفد ثقيف قدم إلى المدينة ليفاوض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدخول في الإسلام؛ لقد استجاب الله دعوة نبيّه لأهل الطائف أن يسلس قيادهم للحق فيأتوا طائعين، وكان أهل الطائف- بعد أن انفضّ الحصار المضروب عليهم- قد أخذو يتروّون في شأنهم ومصيرهم، إلا أنّ جمهورهم لما يزل على ولائه للأصنام وصدوده عن الإسلام.

وحاول رئيسهم (عروة بن مسعود) أن يتحدّث إليهم في نبذ هذه الجاهلية، وعروة فيهم سيد مطاع محبوب، غير أنّ نخوة الامتناع استبدّت بهم، فلما أظهر الرجل دخوله في الإسلام ودعاهم إلى ذلك، رموه بالنبل فقتلوه..

ولم ييئس العقلاء من رشد قومهم، ولم تستطع ثقيف كذلك تجاهل ما حولها، فإنّ دولة الأصنام تدبر في كل مكان، وأمر الإسلام يعلو يوما بعد يوم.

فاجتمع عمرو بن أمية ب (عبد ياليل بن عمرو) وقال له: إنّه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة «١» ، إنه قد كان أمر هذا الرجل ما رأيت، وقد أسلمت العرب كلها، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم.

ورأت ثقيف أن تبعث وفدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصل إلى وضع تقرّ به، وتألف الوفد من ممثلين لعشائر ثقيف كلّها، حتى يلتزموا ما يصل إليه من شروط.

وجادل الوفد رسول الله صلى الله عليه وسلم جدالا طويلا يبغي أن يظفر منه بإقرار لبعض ماثر الجاهلية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأبى أشدّ الإباء، وطلبوا منه أن يدع (اللات) ثلاث سنين ثم يهدمها، ثم ساوموه على سنتين، ثم سنة، ثم شهر واحد بعد مقدمهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يأبى إلا هدمها دون توقيت أمد معين.


(١) كانا من قبل متهاجرين.

<<  <   >  >>