للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) [التوبة] .

ومضت الايات تتحدّث في صرامة وعنف، ففضحت المنافقين، وكشفت عن المترددين. وأهانت طلاب الدّعة والراحة، الذين اثروا ظلّ القعود في بيوتهم وحقولهم على حرّ الصحراء، ووعثاء السفر، ومتاعب الجلاد:

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) [التوبة] .

وأنباء جيش العسرة تفيض بها صفحات طوال من سورة التوبة.

ولعلّ من البيّن في أسلوب القران وهو يصف هذا الجهاد، أنه لم تأخذه هوادة في التنويه بمن اشتركوا فيه، والتنديد بمن تخلّفوا عنه، ولا عجب، فتحديد موقف الإسلام من النصرانية، هو بتّ في مستقبل الدين كلّه إلى الأبد.

فإما ثبت المسلمون أمام لدد الكنيسة المتعصبة، وإمّا أحرقتهم نارها فلم يبق لدينهم أثر؛ وكان لهذا الحزم أطيب النتائج، فخرج المسلمون في تعبئة لم يخرجوا من قبل في مثلها، وانطلقوا صوب الشمال حيث تربض جيوش الروم ... » «١» .

[[دعوة إلى البذل والعطاء] :]

وتجلت- في هذا الإعداد- طوايا النفوس، ومقدار ما استودعت من قبل من إخلاص وسماحة ونشاط، فهناك أغنياء أخرجوا ثرواتهم لتجهيز الجيش، وإمداده بحاجته من الرواحل والسلاح والخيل، منهم عثمان بن عفان الذي سبق في بذله سبقا بعيدا، حتى إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم عجب من كثرة ما أنفق، وقال: «اللهمّ ارض عن عثمان، فإنّي عنه راض» «٢» .


(١) التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، للمؤلف، ص ١٤٩- ١٥٠، دار القلم- دمشق، الطبعة الثانية، ٢٠٠١ م. (ن) .
(٢) ضعيف بهذا اللفظ، رواه ابن هشام: ٢/ ٣١٦، بإسناد معضل، وقد رواه ابن شاهين في كتابه (شرح مذاهب أهل السنّة) ، (ج ١٨، رقم ٢٣ من نسختي) من حديث عائشة، لكن فيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا بهذا في مناسبة أخرى. وسنده ضعيف جدا بل موضوع، وإنما-

<<  <   >  >>