للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: يا نبيّ الله إنّ هاتين الراحلتين كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أريقط- وهو مشرك! - يدلّهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما «١» ..

قال ابن إسحاق: ولم يعلم- فيما يلغني- بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج- يقصد: نوى الخروج- إلا علي وأبو بكر واله رضي الله عنهما. أما علي رضي الله عنه فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخلّف حتى يؤدّي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته.

[درس في سياسة الأمور:]

ويلاحظ أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كتم أسرار مسيره، فلم يطلع عليها إلا من لهم صلة ماسّة، ولم يتوسّع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم.

وقد استأجر دليلا خبيرا بطريق الصحراء؛ ليستعين بخبرته على مغالبة المطاردين، ونظر في هذا الاختيار إلى الكفاية واحدها، فإذا اكتملت في أحد ولو مشركا- استخدمه وانتفع بموهبته.

ومع هذه المرونة في وضع الخطة، فإنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام أصرّ أن يدفع ثمن راحلته، وأبى أن يتطوّع أبو بكر به، لأن البذل في هذه الهجرة ضرب من العبادة ينبغي الحرص عليه، وتستبعد النيابة فيه.

واتّفق الرسول عليه الصلاة والسلام مع أبي بكر على تفاصيل الخروج، وتخيّروا الغار الذي يأوون إليه، تخيّروه جنوبا في اتجاه اليمن، لتضليل المطاردين، وحدّدوا الأشخاص الذين يتّصلون بهم في أثناء اللّجأ إليه، ومهمة كل شخص.


(١) أخرجه ابن إسحاق (٢/ ٢- ٣ من ابن هشام) وفيه شيخه الذي لم يسم، لكن قد سماه ابن جرير: ٢/ ١٠٣، في رواية عن ابن إسحاق، فقال: «حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي، قال: حدثني عروة بن الزبير به» . ومحمد بن عبد الرحمن هذا في عداد المجهولين، أورده ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل: ٣/ ٢/ ٣١٧) . وذكر أنه روى عن جماعة وعنه ابن إسحاق. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكنه لم ينفرد بالحديث فقد أخرجه ابن جرير: ٢/ ١٠١- ١٠٣، من طريق هشام بن عروة عن عروة به نحوه. وإسناده صحيح. وأخرجه البخاري وأحمد من طريق الزهري قال: عروة به، مع شيء من الاختصار.

<<  <   >  >>