واليهود الذين استقرّوا في المدينة وأرباضها هبطوا صحراء الجزيرة فارّين بدينهم من الاضطهاد الصليبي الذي عمل- من قديم- على تنصيرهم أو إفنائهم؛ ذلك لأنّ رأي اليهود في عيسى وأمه شنيع.
والنصارى يعتقدون أنّ اليهود هم قتلة عيسى، والموعزون بصلبه!!.
ولا شك أن اليهود شعب نشيط، وأنهم- حيث حلّوا- يبذلون جهودا مذكورة للسيطرة على زمام التوجيه المالي، ولا يبالون بأساليب الختل والمكر لبلوغ أهدافهم، وقد ألفوا أنفسهم قلّة بين أصحاب البلاد، وخشوا أن يفنوا إذا اشتبكوا معهم في صراع سافر؛ فاحتالوا حتى زرعوا الضغائن بين الأقرباء، وما زالوا بها حتى اتت ثمرها المرّ، فأخذ العرب يأكل بعضهم بعضا في سلسلة متصلة من المعارك التي لا مبرر لها، على حين قوي اليهود وتكاثروا، ونمت ثرواتهم، واستحكمت حصونهم، وخيف سطوهم.
وقبل الهجرة ببضع سنين وقعت بين الأوس والخزرج معركة (بعاث) كان النصر فيها للخزرج، ثم عاد للأوس، وبلغ من حدة الخصام بين الفريقين أن كليهما فكر في استئصال الاخر وإبادة خضرائه، لولا أن تدخّل أولو النّهى بالنصح، أن يبقوا على أنفسهم وإخوانهم، فجوارهم أفضل من جوار الثعالب يعني اليهود-!.
وهذه الفتن المتلاحقة جعلت أهل المدينة عند ما ترامت إليهم أنباء الإسلام يؤملون من ورائه الخير، من يدري؟! لعلّه يجدّد حياتهم، فيعيد السلام إلى صفوفهم، ويهب لهم حياة روحية ترجح بكفتهم على اليهود ...
قال ابن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز نبيّه، وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطا