للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مفاوضات]

ظنّ المشركون أن بطشهم بالمستضعفين، ونيلهم من غيرهم سوف يصرف الناس عن الاستجابة لداعي الله، وظنّوا أن وسائل السخرية والتهكّم التي جنحوا إليها ستهدّ قوى المسلمين المعنوية، فيتوارون خجلا من دينهم، ويعودون كما كانوا إلى دين ابائهم، غير أن ظنونهم سقطت جميعا، فإنّ أحدا من المسلمين لم يرتد عن الحقّ الذي شرفه الله به، بل كان المسلمون يتزايدون! ولم تفلح طرق الاستهزاء في الصدّ عن سبيل الله، أو تشويه معالمها، إنها زادت شعور المسلمين بما تزخر به الوثنية من معرّات ومخاز، تستحق الفضيحة والاستئصال، ما تصنع سخرية الجهول بالعالم؟!.

إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) ... [هود] .

رأت قريش أن تجرّب أسلوبا اخر تجمع فيه بين الترغيب والترهيب، فلترسل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تعرض عليه من الدنيا ما يشاء، ولترسل إلى عمه الذي يحميه تحذره مغبة هذا التأييد، حتى يكلّم هو الاخر محمدا أن يسكت، فلا يجرّ المتاعب على كافله ووليه.

أرسلت قريش (عتبة بن ربيعة) - وهو رجل رزين هادئ- فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا بن أخي! إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب، وقد أتيت قومك بأمر عظيم؛ فرّقت به جماعتهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلّك تقبل بعضها:

إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا.

وإن كنت تريد شرفا، سوّدناك علينا، فلا نقطع أمرا دونك.

<<  <   >  >>