وأولو النصرة، ويملك زمام الدين اخر الناس دخولا فيه وبصرا به؟!.
[عودة وفد هوازن:]
وبعد توزيع الغنائم أقبل وفد هوازن مسلما، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم سبيهم وثروتهم! فقال لهم:«إنّ معي من ترون، وإنّ أحبّ الحديث إليّ أصدقه، فأبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟» قالوا: ما كنّا نعدل بالأحساب شيئا.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
«أمّا بعد، فإنّ إخوانكم هؤلاء، قد جاؤوا تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتى نعطيه إياه من أول مال يفيء الله علينا فليفعل» . فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم:«إنّا لا ندري من أذن منكم ممّن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» .
فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه أنهم قد طيبوا وأذنوا «١» .
[حصار الطائف:]
أما ثقيف فإنها- بعد أن تراجعت منهزمة في (حنين) و (أوطاس) - دخلت حصونها، وتهيّأت فيها لحصار طويل، وعرف المسلمون أنّ القوم لا يزالون على إصرارهم والبقاء على جاهليتهم، وأنّ الخسائر التي لحقت بهم لم تكسر شوكتهم ولم ترهق عزيمتهم، فقرّروا السير إليهم ومناجزتهم، وللمسلمين خبرة قديمة بهذا الأسلوب من القتال، فقد حاصروا وحوصروا، وعرفوا أنجح طرائق الهجوم والدفاع. ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه حتى اقترب من الطائف، فعسكر حولها، وأخذت ثقيف من حصونها تقذف النبال، فأصيب نفر من المسلمين، واضطر الجيش أن يؤخر مواقعه حتى لا تستهدف لقذائفهم.
ويظهر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرص على اقتحام الحصون واستنزال أهلها قسرا كما فعل ببني إسرائيل، لقد أمّل فيهم خيرا، وأدار المعركة حولهم في حدود
(١) صحيح، أخرجه البخاري: ٨/ ٢٦- ٢٨، عن مروان والمسور بن مخرمة معا.