للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثلاثمئة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة؟ إنّي والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم لك «١» على أن يخرجوا من المدينة، ولا يجاورونا بها» .

فرحلوا إلى (أذرعات) «٢» بالشام ولم يبقوا هناك طويلا حتى هلك أكثرهم.

أما كان خيرا لهم أن يؤدوا حقوق الجوار، ويعرفوا قيم العهود، ويبقوا في المدينة امنين موفورين؟ لقد تعجّلوا الشرّ فباؤوا به ... وفي حوار عبد الله بن أبيّ مع الرسول عليه الصلاة والسلام نزل قوله تعالى:

فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) [المائدة] «٣» .

[[سر نقمة اليهود على الإسلام والمسلمين] :]

ويحسن أن نتأمل في سيرة هؤلاء اليهود، وسرّ نقمتهم الشديدة على الإسلام ونبيّه صلى الله عليه وسلم وتحيزهم المعيب إلى الوثنية في نضال الإسلام معها.

أصحيح أنّ نزاع اليهودية والإسلام كان سياسيا لا دينيا؟ وأنّ الانفراد بالسلطان في الجزيرة العربية هو مبعث هذا الخصام الحادّ؟.

إنّ التغلغل في فهم العواطف والمشاعر الإنسانية يفسّر كثيرا من المواقف الغامضة، لقد رأينا المسلمين في مكة يتحمسون للنصرانية في صراعها مع المجوسية، ويحزنون لانكسار الروم أمام الفرس، مع أنّ الإسلام لم يكن قد اتصل بعد بالنصارى اتصالا يبرر هذا الحماس، لكنه الشعور الطبيعي الوحيد الذي ينتظر من الرجل المخلص لدينه، فالمسلمون أصحاب كتاب يدعو إلى التوحيد، والنصارى- وإن اضطرب فهمهم لمعنى التوحيد وشابوا الحقّ بالخرافة- فهم- على كل حال- أهل كتاب، ويعتبرون أعلى مرتبة من عبدة النار؛ فالرغبة


(١) إلى هنا رواه ابن هشام: ٢/ ١٢١، عن ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا، أما باقيه فلم أقف عليه الان.
(٢) درعا. (ن) .
(٣) رواه ابن إسحاق: ٢/ ٢١، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وابن جرير، عن عطية العوفي، وعن الزهري وكلها مرسلات. وقد أشار ابن كثير في تفسيره: ٢/ ٦٨، إلى تضعيف نزول الاية في ابن أبي، والله أعلم.

<<  <   >  >>