ما كان المسلمون يشكّون في دخول مكة؛ فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قصّ عليهم رؤيا أنّه دخلها، وطوّف بالبيت العتيق فيها، فلمّا رأوا ما رأوا من شروط الهدنة، وأمر الصلح والعودة، وتعنّت سهيل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وافتياته على شخصه، دخل عليهم من ذلك كلّه أمر عظيم، حتى كادوا يهلكون! ثم جاءت قصة أبي جندل فزادت الطين بلّة.
ورأى سهيل ابنه، فقام إليه يضرب وجهه، وأخذ بتلبيبه، ثم قال: يا محمد! قد لجّت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا!! قال: «صدقت» . فجعل سهيل ينتر ابنه بتلبيبه ويجرّه ليردّه إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته:
يا معشر المسلمين! أردّ إلى المشركين يفتنونني في ديني!.
فزاد ذلك النّاس إلى ما بهم!.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أبا جندل! اصبر واحتسب، فإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنّا لا نغدر بهم» .
ونفذت القضية، وأعلنت خزاعة دخولها في عقد المسلمين، وأعلنت بنو بكر دخولها في عقد قريش، ومضت شروط الهدنة «١» ..!.
[[ردة فعل المسلمين على الشروط] :]
والنظرة الأولى لهذه الشروط تدل على أنها مجحفة بحقوق المسلمين، مرضية لكبرياء قريش وحميتها الجاهلية، وقد تساءل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنكرين:
لماذا يردون إلى قريش من جاء منهم مسلما، ولا تردّ قريش من جاءها من المسلمين مرتدّا؟.
وفسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشرط بأنّ من ذهب إليهم كافرا فلا ردّه الله، وقد وقي المسلمون خبثه، أما المستضعفون من المسلمين، فستعيى قريش بأمرهم، كما عجزت عن سابقيهم، وستكون العقبى لهم.
ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه مستضعفين؟ ثم نصرهم الله، وخذل قريشا أمامهم؟!.
(١) هذا كله من تمام قصة الحديبية عند ابن إسحاق، والسياق له، والبخاري وأحمد.