شغل المسلمون بعد عهد الحديبية بنشر الدعوة، وعرض تعاليم الإسلام على كل ذي عقل، وكان وفاؤهم لقريش أمرا مقررا فيما أحبوا وفيما كرهوا.
ورأى الناس من ذلك الايات البينات!!.
لكنّ قريشا ظلّت على جمودها القديم في إدارة سياستها، غير واعية للأحداث الخطيرة التي غيّرت مجرى الأحوال في الجزيرة العربية، وتوشك أن تغيره في العالم كله.
وقد جرها فقدان هذا الوعي إلى حماقة كبيرة، أصبح بعدها عهد الحديبية لغوا، وذلك أنها مع حلفائها من بني بكر هاجموا خزاعة- وهي مع المسلمين في حلف واحد- وقاتلوهم، فأصابوا منهم رجالا، وانحازت خزاعة إلى الحرم إذ لم تكن متأهبة لحرب، فتبعهم بنو بكر يقتلونهم، وقريش تمدّهم بالسلاح، وتعينهم على البغي.
وأحسّ نفر من بني بكر أنّهم دخلوا الحرم- حيث لا يجوز قتال- فقالوا لرئيسهم نوفل بن معاوية: إنّا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك. فقال نوفل: لا إله اليوم يا بني بكر.. أصيبوا ثأركم..!!.
وفزعت خزاعة لما حلّ بها، فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمرو بن سالم) يقصّ عليه نبأها، فلمّا قدم المدينة وقف على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس يقول:
يا ربّ إنّي ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنّا والدا ... ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجرّدا ... أبيض مثل البدر يسمو صعدا
إن سيم خسفا وجهه تربّدا ... في فيلق كالبحر يجري مزيدا