بالمدينة؛ بل لرعاية رسالته، التي تشبثت بأرض يثرب جذورها، بعد ما تبرّمت مكة بها وبصاحبها وبمن حوله ...
إنّه أرسخ أهل الأرض يقينا بأنّ الله ناصره ومظهر دينه، بيد أنّه أسيف للفظاظة التي قوبل بها، وللجحد الذي لاحقه من بدء رسالته حتى اضطرّه إلى الهجرة على هذا النحو العنيف، ها هو ذا يخرج من مكة، وقد أعلن سادتها عن الجوائز المغرية لمن يغتاله ...
روى أبو نعيم «١» : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى الله، قال:«الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا، اللهم أعنّي على هول الدّنيا، وبوائق الدّهر، ومصائب الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذلّلني، وعلى صالح خلقي فقوّمني، وإليك ربّ فحببني، وإلى النّاس فلا تكلني، رب المستضعفين وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السموات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والاخرين أن تحلّ علي غضبك، وتنزل بي سخطك، وأعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحوّل عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي خير ما استطعت، ولا حول ولا قوّة إلا بك» .
[[خبر الهجرة ينتشر في جوانب الصحراء] :]
ومما يلفت النظر أنّ انطلاق الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة شاع في جوانب الصحراء، وكأنّ أسلاك البرق طيّرته إلى أقصى البقاع، فعلم به البدو والحضر على طول الطريق حتى يثرب، بل إنّ المحال التي عرّج بها وصل نبؤها إلى أهل مكة، بعد أن انصرف عنها.
والنّاس يعجبون بقصص البطولة، وتستثيرهم ألوان التحدي، وهم يتناقلون الأخبار السيالة على الألسن، فيضفون عليها ثياب الأساطير، وقد سرّت قلوب كثيرة بغلب محمد عليه الصلاة والسلام على من تبعوه، وترجمت عواطفها هذه شعرا يتغنى به، ولا يعرف قائله!! ..
(١) عزاه إليه ابن كثير: ٣/ ١٨٧، من طريق محمد بن إسحاق، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا إلى الله يريد المدينة، قال ... فذكر الدعاء، قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل.