وما كان له أن يوادّ المشركين، وهم الذين تبجّحوا بالكفران، وتظاهروا على العدوان، وصنعوا بالمسلمين ما حاطب أعلم به من غيره.
لكنّ الإنسان الكبير تعرض له فترات يصغر فيها، والله أبرّ بعباده من أن يؤاخذهم بسورات الضعف التي تعرو نورهم فيخبو، وسعيهم فيكبوا.
وقد استكشف النبيّ صلى الله عليه وسلم خبيئة حاطب، فعرف أنّه لم يكذبه في اعتذاره، إنّهم مقبلون على معركة كبيرة، قد ينهزمون فيها، فتقوم العصبيات القديمة بحماية الأقارب الشاردين، ويبقى حاطب لا حمى له، فليتخذ تلك اليد عند قريش حيطة للمستقبل.
ذلك ما فكر فيه حاطب، وهو خطأ، فإنّ المشركين لم يذكروا في عداوة الإسلام رحما ولا أهلا، وما ينبغي- ولو دارت علينا الدوائر- أن نبقي لهم ودّا، وقد خاصمناهم في ذات الله، وأخذ علينا العهد أن نبذل في حربهم أنفسنا وأموالنا ...
ولو جاز اتخاذ يد عندهم فكيف يتوسّل لذلك بعمل يعدّ خيانة كبيرة فادحة الإضرار بالإسلام وأهله؟!.
على أنّ حاطبا شفع له ماضيه الكريم، فجبرت عثرته، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يذكروا الرجل بأفضل ما فيه، وبهذا التقدير السمح علّمنا الإسلام ألا ننسى الحسنات والفضائل لمن يخطئون حينا بعد أن أصابوا طويلا.
[[إسلام العباس رضي الله عنه] :]
سرى القلق في ربوع مكة عقب أوبة أبي سفيان، ورأى العباس بن