للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرّجل إذا فقد وعيه لا يبالي أن ينتحر، وقد انحرف كبراء مكة عن الصراط السوي، ولم يكترثوا للمصير القائم الذي ينتظرهم إذا ركبوا رؤوسهم، فلو اصطدم المسلمون بهم ما قامت لهم قائمة، ولأصيبت حرمات مكة في صميمها.

وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٢٣) [الفتح] .

لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن تجري الأمور على هذا النحو، ورأى أن يعيد محاولاته لإقناع أهل مكة، بتركه يزور البيت ثم يعود لشأنه. فدعا «١» عمر بن الخطاب ليذهب إلى القوم يحدّثهم بما خرج المسلمون فيه، فقال عمر:

يا رسول الله! ليس بمكة أحد من بني عدي يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإنّ عشيرته لا تزال بمكة، وإنه مبلّغ عنك ما أردت.

ودخل (عثمان) مكة في جوار قريبه (أبان بن سعيد بن العاص) واستطاع أن يبلغ رسالته كاملة، وأن يفهم من لقيه الحقيقة الكريمة التي جاء المسلمون قاطبة بها، فكان الردّ الذي حظي به عثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف.

فقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم!!.

ومما يذكر هنا أنّ مكة لم تخل من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات.

كانت قلوبهم معلّقة بالمسلمين المحجوزين خارج مكة.

لقد انتشر الإسلام سرا في بيوت كثيرة، طالما تشوّقت إلى اليوم الذي تستطيع فيه أن تظهر إيمانها، وتتخلّص من سطوة الكفر عليها.

ويظهر أنّ عثمان اتصل بأولئك النفر المؤمن، وبشّرهم بقرب الفتح، فرأت قريش أنّ عثمان قد عدا الحدود المعهودة، وأمرت باحتباسه عندها، وشاع- لدى المسلمين- أنّ عثمان قتل.

[[بيعة الرضوان] :]

وحين بلغت هذه الشائعة مسامع النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا نبرح حتى نناجز القوم «٢» .


(١) من تمام القصة عند ابن إسحاق.
(٢) ضعيف، أخرجه ابن إسحاق؛ وعند ابن هشام: ٢/ ٢٢٩، عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا.

<<  <   >  >>