وقد ذكّرني هذا الاستشراق المغرض بما حكوه عند قمع الإنكليز لثورة الأهلين في إفريقية الوسطى- مستعمرة كينية- وهم يطلبون الحرية لوطنهم ويحاولون إجلاء الأجانب عنه.
قال جندي إنكليزي لاخر- يصف هؤلاء الإفريقيين-:
إنهم وحوش، تصوّر أنّ أحدهم عضّني وأنا أقتله!!!.
إن هذه الأضحوكة صورة من تفكير المستشرقين في إنصاف أهل مكة والنعي على الإسلام وأهله.
[سرية عبد الله بن جحش:]
وفي رجب من السنة الثانية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عبد الله بن جحش) في رهط من المهاجرين، وكتب له كتابا، وأمره ألا ينظر فيه إلا بعد يومين من مسيره.
فإذا نظر فيه، ووعى ما كلّفه الرسول صلى الله عليه وسلم به مضى في تنفيذه غير مستكره أحدا من أصحابه، فسار عبد الله، ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: امض حتى تنزل (نخلة) بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشا، وتعلّم لنا من أخبارهم.
فقال عبد الله: سمعا وطاعة، وأطلع أصحابه على كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم، قائلا: إنه نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة، ويرغب فيها، فلينطلق معي، ومن كره ذلك فليرجع.. فلم يتخلّف منهم أحد، غير أنّ البعير الذي كان يعتقبه (سعد بن أبي وقاص) و (عتبة بن غزوان) ، ندّ منهما، فشغلا بطلبه، ومضى عبد الله برفاقه حتى نزل أرض (نخلة) ، فمرّت عير قريش، فهاجمها عبد الله ومن معه، فقتل في هذه المعركة (عمرو بن الحضرمي) ، وأسر اثنان من المشركين، وعاد عبد الله بن جحش بالقافلة والأسيرين إلى المدينة.
ويظهر أن هذا القتال وقع في اخر رجب، أي في الشهر الحرام.
فلمّا قدمت السرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما أمرتكم بقتال في الشّهر الحرام» ، ووقف التصرف في العير والأسيرين.
ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسما هذه الأقاويل ومؤيدا مسلك عبد الله تجاه المشركين: