للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بحيرا الراهب]

ولا نجد في السّنن الصحاح أنباء تصف هذه الرحلة- رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام برفقة عمه أبي طالب-، إن الأسفار من أخصب أبواب المعرفة، وأعمقها أثرا، ومثل محمد عليه الصلاة والسلام في صفاء ذهنه ونقاء قلبه، لا يعزب عنه وجه العبرة فيما يرى، في حلّه أو ترحاله، على أن من المقطوع به أنه لم يخرج لدراسة دين أو فلسفة، ولم يلق من يتحدّث معه في ذلك، وقد روت كتب الأخبار بعض خوارق، ذكرت أنها وقعت له، من ذلك التقاؤه بالراهب (بحيرا) الذي تفرّس فيه، ورأى معالم النبوة في وجهه وبين كتفيه، فلمّا سأل أبا طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال: ما ينبغي أن يكون أبوه حيّا! قال: فإنه ابن أخي، مات أبوه وأمه حبلى به، قال: صدقت، ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود.

وقد تكون هذه القصة صحيحة؛ فإنّ البشارة بنبيّ بعد عيسى عليه السّلام موجودة في الكتاب المقدّس عند النصارى، وهم- منذ تكذيبهم برسالة محمد عليه الصلاة والسلام- يرقبون هذا النبيّ المنتظر، ولن يجيء أبدا ... لأنّه جاء فعلا..!.

وسواء صحّت قصة (بحيرا) هذه أم بطلت «١» ؛ فمن المقطوع به أنها لم تخلف بعدها أثرا، فلا محمد- عليه الصلاة والسلام- تشوّف للنبوة أو استعدّ لها لكلام الراهب- ولا أصحاب القافلة تذاكروا هذا الحديث أو أشاعوه؛ لقد طويت كأن لم تحدث، مما يرجّح استبعادها.

وقيل أيضا: إن كوكبة من فرسان الروم أقبلت على (بحيرا) كأنها تبحث عن شيء، فلما سألها: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا لأنّ نبيا يخرج هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليها الناس للقبض عليه، فجادلهم (بحيرا) حتى أقنعهم بعبث ما يطلبون.


(١) بل هي صحيحة، فقد أخرجها الترمذي: ٤/ ٢٩٦، من حديث أبي موسى الأشعري، وقال: «هذا حديث حسن» . قلت: وإسناده صحيح، كما قال الجزري. قال: «وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ» . قلت: وقد رواه البزار، فقال: «وأرسل معه عمه رجلا» .

<<  <   >  >>