للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته] :]

وربما غلبه الشوق لحضور الجماعة ورؤية الأصحاب في أيامه الأخيرة فتحامل على جسمه المنهوك، وانسلّ إلى المسجد من حجرة عائشة، فصلّى بالناس وهو قاعد.

قال ابن عباس: لما مرض النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس، ثم وجد خفّة فخرج.

فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص، فأومأ إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره، واستفتح من الاية التي انتهى إليها أبو بكر، فكان أبو بكر يأتمّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والناس يأتمّون بأبي بكر «١» .

على أنّ أبا بكر ظلّ يصلي بالناس هذه الأوقات التي مرض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صبيحة اليوم الذي قبض فيه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم معلّق القلب بشؤون أمته.

وكأنّ الله أراد أن يطمئنه على كمال انقيادها وحسن اتباعها، فأشهده اخر وقت حضره وهو في الدنيا، إذ أقبل المؤمنون من بيوتهم إلى المسجد فجر الإثنين الذي قبض فيه، واصطفوا لصلاتهم خشّعا مخبتين وراء إمام رقيق التلاوة، فيّاض الإخلاص، ورفع النبيّ صلى الله عليه وسلم الستر المضروب على منزل عائشة، وفتح الباب وبرز للناس.

فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم ابتهاجا برؤيته، وتفرّجوا يفسحون له مكانا، فأشار بيده أن اثبتوا على صلاتكم، وتبسّم فرحا من هيئتهم في صلاتهم.


- عن أم سلمة به» . قلت: وهذا سند متصل صحيح. وله شاهد من حديث علي نحوه رواه ابن ماجه وأحمد، رقم (٥٨٥) ، وإسناده صحيح.
(١) صحيح، أخرجه أحمد رقم (٢٠٥٥، ٣٣٣٠، ٣٣٥٥) ؛ وابن ماجه: ١/ ٣٧٣، من طريق أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس ورجاله ثقات، لكن أعلّه البوصيري بأن أبا إسحاق- وهو السبيعي- اختلط باخر عمره، وكان مدلّسا، وقد رواه بالعنعنة. قلت: لكن تابعه عبد الله بن الشخّير إلا أنه قال: عن ابن عباس عن العباس، فجعله من سند العباس، وهذا اختلاف يسير لا يضرّ في صحة الحديث إن شاء الله، وقد رواه من هذا الوجه أحمد أيضا، رقم (١٧٨٤، ١٧٨٥) .

<<  <   >  >>