للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الاضطهاد]

قرر المشركون ألا يألوا جهدا في محاربة الإسلام، وإيذاء الدّاخلين فيه، والتعرّض لهم بألوان النّكال والإيلام، ومنذ جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله، وعالن قومه بضلال ما ورثوه عن ابائهم؛ انفجرت مكة بمشاعر الغضب، وظلّت عشرة أعوام تعدّ المسلمين عصاة ثائرين، فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، واستباحت في الحرم الامن دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وجعلت مقامهم تحمّلا للضيم، وتوقّعا للويل.

صاحبت هذه السخائم المشتعلة حرب من السخرية والتحقير؛ قصد بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية؛ فرمي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، وتألّفت جماعة للاستهزاء بالإسلام ورجاله على نحو ما تفعل الصحافة المعارضة عند ما تنشر عن الخصوم نكتا لاذعة، وصورا مضحكة، للحطّ من مكانتهم لدى الجماهير.

وبهذين اللونين من العداوة وقع المسلمون بين شقّي الرحى.

فرسولهم ينادى بالجنون:

وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) [الحجر] .

ويوصم بالسحر والكذب:

وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) [ص] .

ويشيّع ويستقبل بنظرات ملتهمة ناقمة، وعواطف منفعلة هائجة:

وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) [القلم] .

وليس حظّ سائر المسلمين بأفضل من هذه المعاملة، فهم- في غدوّهم ورواحهم- محلّ التندّر واللّمز:

إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠)

<<  <   >  >>