للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليدعنّ غنمه ليس لها راع، ثم ليقولنّ له ربّه- ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه-: ألم يأتك رسولي فبلّغك؟ واتيتك مالا، وأفضلت عليك؟ فما قدّمت لنفسك؟ فينظر يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم ينظر قدّامه فلا يرى غير جهنّم، فمن استطاع أن يقي نفسه من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإنّ بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، والسلام عليكم وعلى رسول الله» .

[[ثانيا] : الأخوة:]

أمّا عن الأمر الثاني- وهو صلة الأمة بعضها بالبعض الاخر- فقد أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم على الإخاء الكامل؛ الإخاء الذي تمحى فيه كلمة «أنا» ، ويتحرّك الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وامالها، فلا يرى لنفسه كيانا دونها، ولا امتدادا إلا فيها.

ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية؛ فلا حمية إلا للإسلام.

وأن تسقط فوارق النّسب واللون والوطن، فلا يتأخّر أحد أو يتقدّم إلا بمروءته وتقواه.

وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا؛ لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال؛ لا تحية تثرثر بها الألسنة، ولا يقوم لها أثر.

وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال.

حرص الأنصار على الحفاوة بإخوانهم المهاجرين، فما نزل مهاجريّ على أنصاري إلا بقرعة!! وقدّر المهاجرون هذا البذل الخالص فما استغلّوه، ولا نالوا منه إلا بقدر ما يتوجّهون إلى العمل الحر الشريف.

روى البخاريّ: أنهم لما قدموا المدينة، اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: إنّي أكثر الأنصار مالا؛ فاقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها، قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟.

فدلّوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن!!.

<<  <   >  >>