للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تابع الغدوّ.. ثم جاء يوما وبه أثر صفرة «١» ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهيم؟» «٢» قال: تزوجت، قال: «كم سقت إليها؟» ، قال: نواة من ذهب!.

وإعجاب المرء بسماحة (سعد) لا يعدله إلا إعجابه بنبل (عبد الرحمن) ، هذا الذي زاحم اليهود في سوقهم، وبزّهم في ميدانهم، واستطاع- بعد أيام- أن يكسب ما يعف به نفسه، ويحصن به فرجه!! إنّ علو الهمة من خلائق الإيمان؛ وقبّح الله وجوه أقوام انتسبوا للإسلام فأكلوه، وأكلوا به، حتى أضاعوا كرامة الحق في هذا العالم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخ الأكبر لهذه الجماعة المؤمنة؛ لم يتميّز عنهم بلقب إعظام خاصّ، وفي الحديث: «لو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتخذته يعني: أبا بكر- خليلا، ولكنّ أخوّة الإسلام أفضل» «٣» .

والإخاء الحق لا ينبت في البيئات الخسيسة، فحيث يشيع الجهل والغشّ والجبن والبخل والجشع لا يمكن أن يصحّ إخاء، أو تترعرع محبة، ولولا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جبلوا على شمائل نقية، واجتمعوا على مبادئ رضية، ما سجّلت لهم الدنيا هذا التاخي الوثيق في ذات الله.

فسموّ الغاية التي التقوا عليها، وجلال الأسوة التي قادتهم إليها، نمّيا فيهم خلال الفضل والشرف، ولم يدعا مكانا لنجوم خلة رديئة.

ذلك، ثم إنّ محمدا عليه الصلاة والسلام كان إنسانا تجمّع فيه ما تفرّق في عالم الإنسان كله من أمجاد ومواهب وخيرات، فكان صورة لأعلى قمّة من الكمال يمكن أن يبلغها بشر، فلا غرو إذا كان الذين قبسوا منه، وداروا في فلكه رجالا يحيون بالنجدة والوفاء والسخاء.

إنّ الحبّ كالنبع الدافق يسيل واحده، ولا يتكلّف استخراجه بالالات والأثقال، والأخوّة لا تفرض بقوانين ومراسيم، وإنّما هي أثر من تخلّص الناس من نوازع الأثرة والشح والضّعة.

وقد تبودلت الأخوة بين المسلمين الأولين؛ لأنّهم ارتقوا- بالإسلام- في نواحي حياتهم كلّها، فكانوا عباد الله إخوانا، ولو كانوا عبيد أنفسهم ما أبقى بعضهم على بعض!!.


(١) زينة.
(٢) سؤال عن حاله.
(٣) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ١٤، من حديث ابن عباس بهذا اللفظ.

<<  <   >  >>