وانتقل زمام المفاجأة إلى أيدي المسلمين بعد أن نكصت قريش عن مواجهتهم، فالتفتوا إلى الشمال بعد أن توطدت مهابتهم في الجنوب.
وشمال الجزيرة يجاور سلطان الروم القديم، والعرب الضاربون هناك لا يخشون بأس أحد بعد القيصر.
وقيصر نفسه لا يتوقع أن تنبت في الجزيرة قوة تناوئه أو تتجاهله.
وجاءت الأخبار إلى المدينة أنّ القبائل حول دومة الجندل- قريبا من الشام- تقطع الطريق هناك، وتنهب ما يمر بها، وقد بلغ بها الطيش حدّا فكرت معه أن تهاجم المدينة، وأن جمعا كبيرا احتشد بها للاندفاع في هذه الغارة!!.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من المسلمين، يكمن بهم نهارا ويسير ليلا حتى يفاجئ أعداءه وهم غارّون. والمسافة بين يثرب و (دومة الجندل) خمس عشرة ليلة، قطعها المسلمون بمعونة دليل ماهر، فلمّا بلغوا مضارب خصومهم اجتاحوها مباغتين، ففرت الجموع المتأهبة للسطو، وأصاب المسلمون سوائمهم ورعاءهم، وكانت لبني تميم.
أما أهل الدومة ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحدا، وأقام الرسول عليه الصلاة والسلام عدة أيام يبعث السرايا، ويبثّ رجاله هنا وهناك فلم يثبت للقائم هارب.
وعاد المسلمون إلى المدينة، وكان توجههم لعرب الشمال في ربيع الأول من السنة الخامسة.