للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعودوا بعد إذا شاؤوا، وذلك إبقاء على مكانة قريش في العرب!!.

[[شروط صلح الحديبية] :]

واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاوض قريش وهو أرغب ما يكون في موادعة القوم، وإن كان قادرا على تحكيم السّيف، وإنزال خصومه على منطقه الذي اثروه مذ صدّوه عن البيت، وتكلّم (سهيل) فأطال، وعرض الشروط التي يتمّ في نطاقها الصلح، ووافق عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يبق إلا أن تسجّل في وثيقة يمضيها الفريقان.

وحدثت في معسكر المسلمين دهشة عامة للطريقة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أوليائه ومع أعدائه.

فأمّا مع أعدائه، فقد ذهب في ملاينتهم إلى حدود بعيدة، وأولى به أن يقسو عليهم.

وأما مع أصحابه- فإنّه على غير ما ألفوا منه- لم يستشرهم في هذا الاتفاق المقترح.

مع أنّه في شؤون الحرب والسلم التي سلفت كان يرجع إليهم، وربما نزل على رأيهم وهو له كاره، لكنّه اليوم ينفرد بالعمل، ويقرّ ما يكرهون على غير ضرورة ملجئة..

وقد شرحنا في غير هذا المكان «١» موقف النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية خاصّة، وأبنّا أنّ تقدير الأمور لم يترك للنظر المعتاد، بل كان للإلهام الأعلى توجيهه الصائب.

إنّ الله الذي عقل الناقة أن تتابع سيرها لا يأذن لهذه الكتائب أن توالي زحفها، وتشرع رماحها، وقد تحرز نصرا أقلّ على الإسلام- في جدواه- من سلم مبارك النتائج.

قال الزهري: فلما التأم الأمر، ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال:

أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين!. قال: بلى. قال:

فعلام نعطي الدنيّة في ديننا؟!.


(١) في كتابنا: (الإسلام والاستبداد السياسي) ، وهو من منشورات دار القلم- دمشق.

<<  <   >  >>