للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[غزوة تبوك]

عزم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسي العلائق بين الإسلام والنصرانية على دعائم مكينة.

وهو لا يقبل مساومة في ترك دعاته أحرارا يعرضون دينهم على الناس، فإن راقهم دخلوه، وإن ساءهم تركوه.

يجب أن تتاح الفرص المعقولة لإفهام الجماهير ما تدعى إليه.

أما أن تقطع أعناق الدعاة، وتقام الأسوار الكثيفة في وجوههم، فهذا ما يقاومه الإسلام بالقوة.

ثم إنّ الرومان في الشام والعراق ومصر وغيرها من البلدان قوم غزاة، لا تربطهم بأهل البلاد الأولين إلا صلات القهر الماديّ والأدبيّ.

فالذي يعترض على زحف الإسلام إلى الشمال يجب أن يسأل نفسه قبل ذلك: لم سكت عن زحف الرومان إلى الجنوب؟ وعن الطريقة التي يباشرون بها حكم هذه الأقطار المغلوبة على أمرها؟.

والمقارنة المنصفة تجعل ما يطلبه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا غبار عليه.

دعوا العقائد المختلفة تبين عن نفسها، وتجذب الشعوب إليها، أو تصرفهم عنها ... لكنّ هذا الطلب قوبل بالردّ المسلّح.

فلا دولة الروم تفتح أبواب المصيدة عن الفرائس التي تضطرب داخل جدرانها، ولا كنيسة الروم ترحّب بهذا الجو الجديد.

قلنا في كتابنا (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام) في صدد غزوة تبوك:

« ... والكنيسة لا تطيق أن يعيش بجانبها رأي يخالف في الفروع التافهة، فكيف تسمح بالبقاء لدين ينكر سلطة رجالها؟ لأنه لا يرى بين العباد وربهم وسائط، وينكر عقيدة الفداء التي ترتكز عليها؛ لأنه يا بني الجزاء على عمل الإنسان واحده.

<<  <   >  >>