للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النبي صلى الله عليه وسلم وخوارق العادات]

جرت حياة الرسول عليه الصلاة والسلام- الخاصّة والعامة- على قوانين الكون المعتادة؛ فلم تخرج- في جملتها- عن هذه السنن القائمة الدائمة.

هو- من حيث إنه بشر- يجوع ويشبع، ويصحّ ويمرض، ويتعب ويستريح، ويحزن ويسر، ولكن الناس أنفسهم في هذه النواحي صنوف لا تجمعها قاعدة عامة، منهم المتهالك على ضروراته، فلو نقص حظه منها قليلا طاش لبّه، وخارت قواه، ومنهم الجلد الصبّار، يجزئه النزر اليسير، ويمضي لغايته رافع الرأس موطد العزم.

إن الالات التي تدار بالزيوت تتفاوت؛ منها الرديء الذي يستهلك أثقال الوقود ولا يجدي فتيلا، ومنها الجيد الذي يروع إنتاجه على قلة إمداده.

والبشر كذلك مع أبدانهم وضروراتها ومرفهاتها.

والمطالع لسيرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يرى من طبيعة حياته الخاصة صلابة المعدن الذي صيغ منه بدنه صياغة أعجزت العمالقة، وأمكنت صاحبه من أن يحمل أعباء الحياة ومشاقّ الجهاد، ولأواء العيش، وهو منتصب مقدام.

نعم: هناك من العباقرة عمي، وصمّ، وممعودون، ومصدورون، غير أن العبقرية «١» شأن دون النبوة، ومن تمام نعمة الله على امرئ ما أن يرزق العافية من هذه الأدواء كلها، لتتم بهذه العافية السابغة العناصر التي تصحح نظرته إلى الحياة ومسلكه فيها.

وقد كان محمد عليه الصلاة والسلام- من هذه الناحية- بشرا كاملا.

وكانت حياته متسقة مع سنن الله الكونية في البطولات الممتازة.


(١) راجع كتابنا (عقيدة المسلم) ، ص ١٩٩، دار القلم- دمشق.

<<  <   >  >>