للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم نادى أبو سفيان: إنه قد كان في قتلاكم مثلة، والله ما رضيت ولا سخطت، وما نهيت ولا أمرت «١» .

ولما انصرف أبو سفيان نادى: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: «قل: نعم هو بيننا وبينك موعد» «٢» .

[عبر المحنة:]

موقعة أحد فياضة بالعظات الغوالي والدروس القيّمة، وقد نزلت في أدوارها وحوادثها ونتائجها ايات طوال، وكان لها في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام أثر عميق، ظلّ يذكره إلى قبيل وفاته، كانت امتحانا ثقيل الوطأة، محّض السرائر، ومزّق النقاب عن مخبوئها، فامتاز النفاق عن الإيمان، بل تميّزت مراتب الإيمان نفسه، فعرف الذين ركلوا الدنيا بنعالهم فلم يعرّجوا على مطمع من مطامعها، والذين مالوا إليها بعض الميل، فنشأ عن أطماعهم التافهة ما ينشأ عن الشرر المستصغر من حرائق مروّعة.

بدأت المعركة بانسحاب ابن أبي، وهو عمل ينطوي على استهانة بمستقبل الإسلام وغدر به في أحرج الظروف، وتلك أبرز خسائس النفاق.

والدعوات- إبّان امتدادها وانتصارها- تغري الكثيرين بالانضواء تحت لوائها، فيختلط المخلص بالمغرض، والأصيل بالدخيل. وهذا الاختلاط مضرّ أكبر الضرر بسير الرسالات الكبيرة وإنتاجها.

ومن مصلحتها الأولى أن تصاب برجّات عنيفة، تعزل خبثها عنها، وقد اقتضت حكمة الله أن يقع هذا التمحيص في أحد:


(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد، والحاكم وصحّحه من حديث ابن عباس، وإسناده حسن كما تقدم في أول معركة أحد، وله شاهد من حديث البراء عند البخاري وغيره، وقد سبق تخريجه قريبا. وشاهد اخر من حديث ابن مسعود أخرجه أحمد رقم (٤٤١٤) ، وفيه حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، وقد سمع منه حالة الاختلاط كما سمع منه قبلها؛ ولهذا قال الحافظ ابن كثير (٤/ ٤١) : «هذا إسناد فيه ضعف» وهذا هو الصواب، خلافا لقول الشيخ أحمد محمد شاكر: إنّه صحيح، فإنه ذهل عما ذكر من سماعه منه في الاختلاط. وقد صحّح فضيلة الشيخ كثيرا من الأحاديث في تعليقه على المسند وغيره كلّها من هذا الطريق، فليتنبه لهذا.
(٢) لم أجده الان عند غير ابن إسحاق.

<<  <   >  >>