أما عبدة الأصنام من البدو، فإنّ المسلمين شرعوا يتعقبونهم مذ خلصوا من مشكلات اليهود، وقد أشرنا إلى أنّ شمل هؤلاء الأعراب انتكث بعد الموادعة التي تمّت في الحديبية بين قريش والمسلمين، كانوا أمس يحاصرون دار الإسلام أحزابا متحدة، لكن الحال تبدّلت اليوم؛ تمزّق بنو إسرائيل، وانسحب أهل مكة، وأمكن للمسلمين أن ينفردوا بأولئك القوم قبيلة إثر قبيلة، ولن يعجز المسلمون عن حسم شرورهم ووقف فوضاهم.
إنّ البدو جنس جاف غليظ، ولن ننسى أنهم حتى القرن الأخير كانوا يستمرئون الفتك بقوافل الحجاج، وقد يذبحون الحاجّ لدراهم معدودة.
وعلمهم بشؤون الدنيا وحقوق الاخرة يعيي المدرسين، وقد بذل الإسلام جهودا جبارة في رفع مستواهم المادي والأدبي، إلا أنّ اغتيال الدعاة من القراء المربين جعل الإسلام يظاهر رجاله هؤلاء بالقوة التي تمنع الشغب، وتقطع دابر الفساد.
وكان بث السرايا في فيافي (نجد) من أهمّ ما شغل المسلمين بعد ما رجعوا من خيبر في صفر من السنة السابعة، حتى شدّوا الرحال إلى مكة لعمرة القضاء، كما نصّ على موعدها في عهد الحديبية.
ولا يعنينا كثيرا أن نتبع هذه السرايا في مسيرها، فهي- وإن وطدت هيبة المسلمين العسكرية- أقرب إلى فرق الشرطة منها إلى الجيوش المعبأة.
والهدف الأكبر من بعثها توطيد الأمن، ومنع الغارات على المدينة، وتمكين الدعاة إلى الله من أن يجوبوا الافاق بتعاليم الرسالة دون غدر أو خيانة.
إن أحوال هذه القبائل قريبة الشبه بأحوال قرانا في عهد الإقطاع القريب، كان العمدة يملك ألف صوت ناخب في قريته، فالحديث عن الحرية السياسية في هذا الجوّ (حديث خرافة) . كذلك كان رؤساء القبائل الأولون، تلتفّ حولهم