عشائرهم وبطونهم ليتناصروا في الحرب والسلم على ما يهوى السادة.
فإذا كثر في أولئك الحاكمين من يوصف بالأحمق المطاع، وإذا اشتغل أولئك الحمقى بالكرّ والفرّ على نحو ما قال دريد بن الصمة:
يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا، أو نغير على وتر!
قسمنا بذاك الدّهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلّا ونحن على شطر!
أفترى أنّ الدّعاة يسيرون عزّلا في هذه البيئة التي تخطف الأموال والعقائد؟.
إنّ العمل على توطيد الأمن شيء غير إكراه الناس على الإيمان، هدف الأول إقصاء الضغط والفتنة عن المجتمع، حتى إذا امن فرد في قبيل لم يجد من يصبّ عليه سوط عذاب. أما الاخر فيريد بالسوط أن يحمل الناس على عقيدة معينة.
والسرايا التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يسيّرها إلى كلّ فج كانت تحمل معها كلام الله لتقرأ منه:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) [الحج] .
فالسعي لمعاجزة الايات أمر خطير، ولو كانت معاجزة باللسان ما اكترث لها أحد، فهيهات أن تغلب الخرافة الحقّ في معرض جدل حر، إنّها معاجزة بالسوط والقهر:
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا ... [الحج: ٧٢] .
فإذا تأهّب التالي حتى لا يروح ضحيّة هذا السّطو، فهو يؤدي واجبه، وإذا سخّرت القوة لتطهير الحياة من أسباب هذا السطو، فأيّ غبار على هذا العمل؟.
وقد مضى المسلمون في نشر الدعوة داخل جزيرة العرب على ذلك الأساس العادل، ومنذ أمضوا عهد الحديبية، وهم دائبون على البلاغ والتبصرة، ولذلك نجحوا نجاحا ملحوظا في هذا المضمار، فدخلت قبائل كثيرة في عهداهم، على حين انصرفت جموع الأعراب عن قريش، فلم يدخل في عهداهم أحد،