أيقنت طوائف الكفّار أنها لن تستطيع مغالبة الإسلام إذا حاربته كلّ طائفة مفردة، وأنّها ربما تبلغ أملها إذا رمت الإسلام كتلة واحدة، وكان زعماء يهود في جزيرة العرب أبصر من غيرهم بهذه الحقيقة، فأجمعوا أمرهم على تأليب العرب ضد الإسلام، وحشدهم في جيش كثيف ينازل محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه في معركة حاسمة.
وذهب نفر من قادة اليهود إلى قريش يستنفرونهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، وكانت قريش قد أخلفت عدتها مع النبي صلى الله عليه وسلم عاما، وهي لا بدّ خارجة لقتال المسلمين؛ إنقاذا لسمعتها، وبرا بكلمتها، وها هم أولاء رجالات يهود يحالفونهم على ما يبغون؛ فلا مكان لتوجّس أو خلاف.
والغريب أن أحبار التوراة أكّدوا لعبدة الأوثان في مكة أنّ قتال محمد صلى الله عليه وسلم حق، واستئصاله أرضى لله! لأنّ دين قريش أفضل من دينه! وتقاليد الجاهلية أفضل من تعاليم القران! وسرّت قريش بما سمعت، وزادها إصرارا على العدوان، فواعدت اليهود أن تكون معها في الزحف على المدينة.
وترك زعماء اليهود قريشا إلى أعراب (غطفان) فعقدوا معهم حلفا مشابها لما تمّ مع أهل مكة، ودخل في هذا الحلف عدد من القبائل الناقمة على الدين الجديد.
وبذلك نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، وعرف المسلمون مبلغ الخطر المحدق بهم، فرسموا- على عجل- الخطة التي يدفعون بها عن دعوتهم ودولتهم، وكانت خطة فريدة لم تسمع العرب قبلا- بمثلها، وهم الذين لا يعرفون إلا قتال الميادين المكشوفة.
أما هذه المرة فإنّ المسلمين حفروا خندقا عميقا يحيط بالمدينة من ناحية السهل، ويفصل بين المغيرين والمدافعين.