واجتمع طواغيت مكة في دار الندوة؛ ليتخذوا قرارا حاسما في هذا الأمر.
فرأى بعضهم أن توضع القيود في يد محمد صلى الله عليه وسلم، ويشد وثاقه، ويرمى به في السجن، لا يصله منه إلا الطعام، ويترك على ذلك حتى يموت..
ورأى اخر أن ينفى من مكة، فلا يدخلها، وتنفض قريش يديها من أمره.
وقد استبعد هذان الاقتراحان لعدم جدواهما، واستقرّ الرأي على الاقتراح الذي أبداه أبو جهل؛ قال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسطا فتيا، ثم نعطي كلّ فتى سيفا صارما، ثم يضربونه- جميعا- ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرّق دمه في القبائل كلّها، ولا أظنّ بني هاشم يقوون على حرب قريش كافة، فإذ لم يبق أمامهم إلا الدية أديناها.
ورضي المؤتمرون بهذا الحلّ للمشكلة التي حيّرتهم، وانصرفوا ليقوموا على إنفاذه، وقد أشار القران إلى تدبير هذه الجريمة بقوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)[الأنفال] .
إنّ هذا الحكم لم يتخذ في مجلس سر، بل في اجتماع عام.
ومن الطبيعي أن يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يعرف حقيقة وضعه في مكة، إنهم لا ينتظرون به إلا موعد التنفيذ، ثم يقدّمه الطغام قربانا للأصنام!!.
على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليوعز إلى أصحابه بالهجرة ويتخلّف عنهم.
لقد رسم الخطة التي يذهب بها إلى (يثرب) حين ندب المسلمين للهجرة إليها.
روى الزهريّ عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو يومئذ بمكة- للمسلمين:«قد أريت دار هجرتكم؛ أريت سبخة ذات نخل بين لابتين»«١» ،