للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رسول معلم]

كانت الإشاعات قد فاضت بين أهل الكتاب الأولين أن نبيّا قد اقترب ظهوره، ولهذه الإشاعات ما يبرّرها، فإن عهد الناس بالرسل أن يتتابعوا فلا تطول فترة الانقطاع بين أحدهم والاخر، وكثيرا ما تعاصر المرسلون فجمعتهم أقطار واحدة أو متجاورة، ولكن الأمر تغيّر بعد عيسى عليه السّلام فكادت المئة السادسة تتم بعد بعثته، ولما يأت نبي جديد.

فلما اكتظّت الأرض بالمفاسد والضلالات زاد التطلّع إلى مقدم هذا المصلح المرتقب، وكان هناك رجال ممن ينكرون الجهالة السائدة يستشرفون للمنصب الجليل، ويتمنّون لو اختيروا له؛ منهم: (أمية بن أبي الصلت) الذي حفل شعره بالتحدّث عن الله وما يجب له من محامد، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:

«كاد أمية أن يسلم» «١» . وعن عمرو بن الشريد، عن أبيه: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟» قلت: نعم؟ قال:

«هيه» ، فأنشدته بيتا، فقال: «هيه» ، حتى أنشدته مئة بيت «٢» .

غير أن القدر الأعلى تجاوز أولئك المتطلّعين من شعراء وناثرين، وألقى بالأمانة الكبرى على رجل لم يتطلّع إليها ولم يفكر فيها:

وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) [القصص] .

إن الاصطفاء للرسالات العظيمة ليس بالأمل فيها، ولكن بالطاقة عليها.

وكم في الحياة من طامحين لا يملكون إلا الجرأة على الأمل، وكم من راسخين يطويهم الصّمت، حتى إذا كلّفوا أتوا بالعجب العجاب.


(١) حديث صحيح، أخرجه مسلم: ٧/ ٤٩؛ وابن ماجه: ٢/ ٤١٠، من حديث أبي هريرة، وأخرجاه أيضا من حديث ابن الشريد، وهو تمام الحديث الاتي بعده.
(٢) حديث صحيح، أخرجه مسلم وابن ماجه.

<<  <   >  >>