للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سنين كالمودّع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر، فقال: «إنّي بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإنّ موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا. وإنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدّنيا أن تنافسوها!» .

قال عقبة: فكان اخر نظرة نظرتها إلى رسول الله «١» .

[[حمراء الأسد] :]

على أنّ المسلمين دفنوا موجدتهم في أفئدتهم، ولم يستسلموا لأحزان المصاب الذي حلّ بهم، وكان تكاثر خصومهم حولهم سببا في أن يقاوموا عوامل الخور، وأن يبدوا للناس بقية من قوة تردّ عنهم كيد المتربّصين، على نحو ما قال الشاعر:

وتجلّدي للشامتين أريهم ... أنّي لريب الدّهر لا أتضعضع

وقد كانت الهزيمة في أحد فرصة انتهزها المنافقون واليهود، وكل ذي غمر على محمّد عليه الصلاة والسلام ودينه وأصحابه، ففارت المدينة كالمرجل المتّقد، وكشف عن عداوته من كان قبلا يواريها، وتحدّث الكافرون بالإسلام عن خذلان السماء للنبيّ المرسل من عند الله.

فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعيد تنظيم رجاله على عجل، وأن يتحامل الجريح مع السليم على تكوين جيش جديد، يخرج في أعقاب قريش ليطاردها، ويمنع ما قد يجد من تكرار عدوانها!!.

كانت معركة أحد في يوم السبت لخمسة عشر من شوال، وكان خروج هذا الجيش في الأحد لستة عشر منه.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا (حمراء الأسد) «٢» ، واقتربوا من جيش أبي سفيان، وكان رجال قريش- بعد أن ضمّهم الفضاء الرحب قد عادوا إلى التفكير فيما حدث، وأخذوا يتلاومون، يقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكة القوم، ثم تركتموهم ولم تبتروهم، وقد بقيت منهم رؤوس يجمعون لكم!.


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٣/ ١٦٤، ٧/ ٢٧٩- ٢٨٠، ٣٠٢؛ ومسلم: ٧/ ٦٧؛ وأحمد: ٤/ ١٤٩، ١٥٣، ١٥٤؛ والبيهقي: ٤/ ١٤.
(٢) رواه ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير مرسلا كما في البداية، وذكره ابن هشام عن ابن إسحاق بدون سند.

<<  <   >  >>